حياة من خرم الإبرة
تأليف
ياسين رفاعية
(تأليف)
ثمة نوع من الرواية يتماهى فيه الراوي بالمؤلف، وهي الرواية التي تقترب من السيرة الذاتية وهكذا يفعل ياسين رفاعية في رواية يستدرج من خلالها محطات من حياته الماضية بشيء من الحزن الشفيف الذي يميزه وهو يسأل نفسه هل هي الرواية الأخيرة؟
ونحن نقول: بالتأكيد ليست هي الرواية الأخيرة فما زال في ...العمر بقية مهما أصابك من الآلام والأوجاع، فدائماً هناك بقعة ضوء تُرى الحياة من خلالها. فكن كما أردت أيها الأديب القدير فكّر وعش "حياة التأمل الساكنة" التي أحببتها بدلاً من «حياة من خرم إبرة». وإن كان العنوان خيارك أيضاً جاء يحمل سيرة حياة غنية عشتها بآلامها، وأتراحها، ومغامراتها، هي حياة جمعتك بأصدقاء أقل ما يقال عنهم إنهم نخبة من الكتّاب والشعراء والفنانين من مختلف الجنسيات والألوان الإبداعية. منهم من بقي ومنهم من رحلّ إلى الضفة الأخرى من الحياة وقد آن الأوان لتبوح لنا ببعض أسرارها.
يقول الكاتب: "… ومهما يكن من شيء، لم يعد لي من آمال، لم تعد لي من أحلام.. وإنني إذ أفكر ماذا سأفعل في مقبل الأيام، أقول: لم يعد هناك وقت.. إنني في الربع الساعة الأخير.. ثمة بطء شديد في الخطى والخطوات، ولم يعد من لحظة تحل مكان أخرى، حتى الحاضر لم يعد حاضراً.. حتى الأحلام لم تعد ذات قيمة، ولم أعد ملتصقاً بالماضي الذي عشته، ليته يُنتسى وينمسح من الذاكرة. لا شيء، في هذه اللحظات الأخيرة يثير اهتمامي، إنني هكذا، لا شيء. لم يعد لي من مبرر لحياتي، كل المستتر أصبح مكشوفاً، الثقة بالنفس اضمحلت، والإيمان بالحياة انحسر. الأيام الأخيرة هي مأزق، وكل شيء أنوء به، حتى لو كان بوزن فراشة، يا لهذا العمر.. لقد تأخرت كثيراً عن اللحاق برفاقي. إنني أعاني عجزي من الظلال المعتمة التي لم تعد تعرف ضوءاً ولو شحيح، شمعة تحترق ببطء…".
قدم لهذا العمل بمقدمة تليق بالكاتب ومكانته الشاعر اللبناني "شوقي بزيع" ويعود فيها إلى أكثر من نصف قرن من حياة رفاعية وهو يستحضره قادماً إلى بيروت تاركاً خلفه عبق ياسمينه الشامي كغيره من أدباء عصره وقد احتضنتهم ست الدنيا "بيروت". بكثير من الحب والأمل. يقول بزيع: "… لم يكن "مجد بيروت" صناعة محلية خالصة بأي حال، بل كانت لمبدعي سوريا اليد الطولى في صياغة معنى المدينة وبناء أسطورتها التي سبقت الحرب بقليل، حيث كان هناك أدونيس ونزار قباني ويوسف الخال ومحمد الماغوط وغادة السمان وفؤاد رفقة وكمال خير بك وصادق جلال العظم ونذير العظمة وعشرات غيرهم. وفي غمرة هذا الزحف السوري الإبداعي نحو بيروت قدم الكاتب الوسيم ياسين رفاعية إلى المدينة بصحبة زوجته الجميلة المتألقة الشاعرة أمل الجراح، ليشكِّل هذا الثنائي الدمشقي المتميز إحدى أجمل الثنائيات العاشقة في بيروت الستينات (…) – ويتابع الشاعر بزيع: "لو كانت لي براعة الرسامين لاستطعت بالتأكيد أن أرسم لياسين رفاعية البورتريه الأكثر دقة وملموسية من الكتابة. فهذا الرجل الوسيم الذي يحبو باتجاه الثمانين لم تفقده الشيخوخة أدنى نأمة من وسامته وظرفه وقدرته على الإغواء. (…)، لم ينقص بياض شعره وحاجبيه من منسوب فتنته وسطوته على مجالسيه حيث يستطيع، بملامح الأب أو الجد المنقسمة بالتساوي بين الدماثة وقوة الحضور، أن يجتذب النساء والرجال على حدٍّ سواء. وهو، إلى صوته الجهوري على رخامة، يمتلك قدرة غير عادية على القص وتأليف المواقف وسرد الحكايات المشوقة التي لا تعوزها الوقائع والتفاصيل…".