نسياً منسياً
تأليف
توفيق الشحي
(تأليف)
"أرجوك لا تُسقطْ كلَّ الأقنعة.. دعها مكانها، لأننا في بعض الأحيان عندما نعرف الحقيقة، تختلف المفاهيم التي بنيناها في حياتنا جذريّاً عما كنا نعتقده، فنصبح وكأننا حمقى، بل إننا نضحى متَّهَمين، بعدما كنا الضحايا!
أرجوك لا تسقطْ كل الأقنعة.. فالقصة التي تذكرها لي، تجعلني أتمنى لو كنتُ نسْياً منسيا، ولا كنتُ ...قلتُ ما قلت، ولا شاهدتُ.. أرجوك لا تتُسقطْ كلَّ الأقنعة.. فهكذا سأبدو سافلاً، وحقيراً.. أرجوك لا تُسقطَّ كلَّ الأقنعة.. لكنك تأبى، إلا أن تحكي الحكاية.. فتَسقطُ كلُّ الأقنعة!".
بهذه العبارات يقدم توفيق الشحي روايته الجديدة "نَسْياً مَنْسياً"، ويقوم بإسقاط أقنعة أبطاله في الرواية، واحداً تلو الآخر؛ ليشكل من خلالهم معادلاً للحقيقة الضائعة التي تختفي ورائها وجوه حقيقية تعيش بيننا؛ فييمِّم صوب البيئة البحرية، متخذاً إياها مكاناً لسردهِ، ومن وقائع حياة الناس اليومية وسلوكاتهم وطقوسهم وأعرافهم وتقاليدهم فضاءً لروايته.
تبدأ الرواية بمشهد عَزم الحاج (إسماعيل) أخذ أولاده خالد وسعيد معه - إيفاءً للنذر وللشكر- في رحلة بحرية على متن سفينة مع مجموعة من الشباب وكبار السن والنساء، وحتى بعض الأطفال، والماشية، لزيارة قبر الشيخ (مسعود) ومسجده اللذان يقعان على أحد التلال القريبة جداً من الشاطئ.
وهنا بدأ سعيد يسأل من هو الشيخ (مسعود) هذا؟ وما معنى كونه ولياً؟ وما معنى كلمة نذر؟ وغيرها من أسئلة لم يتفتح عقله الصغير بعد لإدراكها وفهمها.
والرواية لا تقتصر على شخصية البطل (سعيد) بل تجتمع فيها عديد من الشخصيات ولكل واحدة دورها في إضاءة أحداث الرواية وفي صنعها. وهي شخصيات تنتمي إلى مجتمع لم يعرف الحداثة يوماً، ذو عقلية بدائية في فهم ظواهر الكون والأديان والتي يحتاجها بعض الشيوخ في البلدة ليحافظوا على مواقعهم بين الناس، في إشارة من الروائي على تلازم مصالح السلطة الدينية والسلطة السياسية في السيطرة والحكم وإبقاء الناس خارج دائرة المعرفة والفهم. ولعل الروائي أراد تطعيم تاريخ اجتماعي لبلد ما بتاريخ سياسي عبر رؤية فنية تشكل نوعاً من التقية الروائية. قصد من وراءها إعطاء لمحات وشذرات عن عائلة ما أو حكم ساد في الماضي أو اليوم بيننا، حينما ختم روايته ببعض ما آلت إليه أحوال شخصياته: "والواقع كذلك أن الشيخ (عبد الجليل)، أمر كل من يدوّن أحداث البلدة من المؤرخين، بإسقاط شخصية النمرود، لما في ذلك من إهانة لعائلة (آل حمد)، التي حكمت البلدة منذ زمن طويل، ولذلك لم يصلنا عن حقيقة النمرود سوى ما دوَّنه (سعيد) في مذكراته الجانبية، والتي دوّن فيها مشاهداته عن البلدة وأحوالها، متجاهلاً في ذلك كل أوامر الشيخ (عبد الجليل) حول ذلك الإسقاط المتعمد.
هكذا أصبح ذِكْرُ تاريخ النمرود نَسْياً منْسيّاً في البلدة..."