فزاعة حقل ؛ الحراس والحبوب والغربان
تأليف
حميد العماوي
(تأليف)
إذا ما استحضرنا مقولة "تودوروف"، أن: "صورة الغريب والمختلف، المنتمي إلى جغرافيا قصية، تحيل على واقع من يقوم بتشكيلها، أكثر مما تترجم واقع من مثلت صورته" فإن رواية «فزاعة حقل» يُمكن أن تمثل ذلك السعي الجماعي لتخليد ذاكرة جمالية مشتركة عن المكان وقيم الارتحال عن الأرض من دون التخلي عن ...العقائد والانتماء، من هنا فإن مسار الانتقال الذي رسمه الروائي حميد العماوي لأبطاله غالباً ما يتخذ طبيعة دائرية تعود بهم إلى قاعدة الانطلاق بعد إخفاق تجربة الانغراس في تربة مختلفة. على هذا النحو سوف يتابع القارئ رحلة ثلاثة أجيال من عائلة حمدان (أبوسليمان) من منطقة تبوك بالقرب من الحدود السعودية الأردنية نحو قرية حقل التي للعائلة فيها (حقل) وذلك بعد أن ضرب الجفاف مضاربه سنة "شنوة" في العام 1948؛ ليكون في استقباله صديقه أبو إبراهيم والذي تقاسَمَ زاده مع ضيفه القادم على الرغم من قِلَّته.
"هناك قرية عند البحر تسمى حقل لنا فيها حقل"، هكذا أخبر أبو سليمان عائلته وهم يشقّون طريقهم باتجاه بحر خليج العقبة قادمين من عمق الصحراء الحدودية بين السعودية والأردن، ففيما مضى كانوا يأتون إلى قرية (حقل) في الصيف لأجل الحصول على الماء والتمر أما في الشتاء فيرحلون إلى الصحراء للرعي، ولكن هجرتهم هذه المرة يبدو أن لها مفاجآتها وأقدارها.
تتوالى الأحداث في الرواية ليذهب كلٌ في طريقه، أبو سليمان ودَّع عائلته قاصداً فلسطين للعمل وبعد فترة تنقطع أخباره وعندما لم يعد مع من عادوا، أقيمت عليه صلاة الغائب، أما الأولاد فعمل أصغرهم في تجارة التبغ وتهريب الخمور، وعمل ثانيهم في الصيد البحري والرعي وتزوج من قريبةً لعائلته في الأردن. وكان حظ الأول جنى الأموال والسجن، بينما كان مصير الثاني أن بترت يده جراء انفجار ديناميت عندما كان يصطاد، أما الأخت فعملت في الطب الشعبي وكتابة الحُجب...
ولكن، ماذا عن أحجية الفزّاعة التي وعد الأب أبنائه بها؟ وماذا أراد صاحب الفزاعة من زرعها في الحقل؟ يبدو أن لهذه الأحجية حكاية. هي حكاية، هي "حكاية الحراس والحبوب والغربان"...
ترصد الرواية حياة البدو وحياة الهجرة والتنقل التي عاشوها بين السعودية والأردن في النصف الأول من القرن العشرين وحتى الألفية الجديدة، كما أنها ترصد التحول المفاجئ من البداوة إلى الحضارة، حيث يعرج السرد على ظاهرة ازدياد عدد العقارات في مدينة (حقل)، وبناء القصور والشوارع الحديثة، كما أنه يتوغل في الفضاء الاجتماعي الحاضن لفئات اجتماعية جديدة؛ بقيت مبعثرة على قارعة المسافة بين بداوتها السالفة ومدنيّتها اللاحقة.
في (كلمة للمؤلف) ختم حميد العماوي عمله بها يقول: " هذه الرواية من نسج الخيال وما ورد فيها لا يمثل المجتمع بأكمله، وإن تشابهت أسماء الشخصيات أو الأحداث أو الأماكن بالواقع فهو مجرد عن أي قصد.. بدأت فكرة الرواية عندما مررت بسيارتي من جانب إحدى الشجرات في البراري المحيطة بمدينة حقل والتي علمت مسبقاً أن جدي حميد العماوي رحمه الله - صاحب اليد المبتورة
كان قد استظل تحت هذه الشجرة فيما مضى، بحثت بين أدواته القديمة فوجدت ناياً مكسوراً وصورة له بالأبيض والأسود وعصا، عند ذلك لاح في مخيلتي مشهد لأب ترك لأطفاله أحجية قبل رحيله، تأملت في واقع مدينتي وفكرت طويلاً في عناصر الحقل حتى آمنت بنظرية الحراس والحبوب والغربان.. منذ تلك اللحظة بدأت الفكرة تتراقص في ذهني حتى أغرتني بالكتابة...".