قبل عدة سنوات وجدني صديقي في العمل شارد الذهن أحدق في سقف الغرفة فبادرني قائلا:
- فيه حاجه و الا ايه
= ليس من السهل أن تكون ثعلب ماء
- نعم يا ضنايا
انفجرنا ضاحكين معا قبل أن أبرر له قولي العفوي الذي جاء بمنتهى الجدية رغم ما أثاره من جو كوميدي في المكتب بأكمله.
كنت قد شاهدت في اليوم السابق واثئقي عن حياة ثعلب الماء و المخاطر التي يتعرض لها من مفترسات أخرى أو من الإنسان و الطبيعة و خلال مواسم الهجرة أو التزاوج أو حنى في معاناة البحث عن الغذاء له و لأطفاله و في دفاعه عن نفسه و عن أسرته و منطقته. كان الفيلم جيدا جدا و مثيرا للتساؤلات عن هذه الحيوانات البحرية التي لا نكاد نعيرها انتباها و لكنها في النهاية أمم أمثالنا كما يقول التعبير القرآني.
لم يزل المعلق في الفيلم يقول عند كل موقف هذه الكلمة الشهيرة:
ليس من السهل أن تكون ثعلب ماء
و عندها أيقنت بالفعل أنه ليس أمرا سهلا بالمرة و عرفت أن هذا ليس هو الشيء الصعب الوحيد أن أكونه و عرفت أنه كم من ثعالب ماء و حيوانات أخرى تكافح من أجل البقاء.
إذا كنت مهتما بمراقبة الأمم الأخرى من بني الحيوان و تود أن تعرف أكثر عن سلوكها و طموحاتها في الحياة فهذا الكتاب هو بالتأكيد لك.
لن يسرد لك الكاتب معلومات مجردة عن الأسماك و أنواعها و تشريحها أو حتى وصفاتها بل سيخبرك بكل بساطة عن ما تعرفه السمكة التي نسيء فهمها و نتصور أنها كائن خالي من الإدراك و الإحساس و أن حياتها ميكانيكة تخلو من أي مشاعر أو أهداف و كل ذلك لأن وجوهها ككثير من الحيوانات تخلو من أي تعبير ناهيك عن غموض حياتها بالنسبة لنا لوجودها في ظلمات بعضها فوق بعض.
يخبرنا عن ما تدركه السمكة و ما تشعر به و ما تفكر فيه من واقع عشرات التجارب العلمية على أنواع كثيرة من الأسماك و ينتقل أيضا إلى موضوع غاية في التشويق عن من تعرفه السمكة. و هل الأسماك تستطيع التعرف على بعضها و على الكائنات الأخرى معرفة اجتماعية و كيف تتناسل السمكة و حياتها خارج الماء ثم يختم بفصل عن مخاطر انقراض الأسماك و الصيد الجائر و بشاعة مزارع الأسماك كسائر المزارع الحيوانية الأخرى.