أوبنياس
تأليف
عمر حسين سراج
(تأليف)
لا شك أن عنوان مثل "أوبنياس" مسكوك بالكثافة والغموض يحفز المتلقي على القيام بعملية تأويل قبل الشروع في تلقي النص الروائي، ولكن براعة الروائي السعودي عمر حسين سراج في تصييغ العنوان وفق معادلة سوف تحقق التعادل بين بنية العنوان والنص الروائي والشخصية الروائية، على مستوى التشكل والاشتغال والكينونة والتواصل السردي ...بين بنية العنوان والمكونات الحكائية سوف تحوّل المتلقي من مستوى الدهشة والتفسير والتساؤل إلى مستوى تلمُّس الخيط الرحمي الذي يربط العنوان بالحكاية واحتواء لغز هذا المحكي الروائي الجميل والساحر، في الداخل الحكائي وهذه البراعة الاشتغالية دليل على عقلنة التخييل الناجمة عن نضج الوعي السردي في كل روايات عمر حسين سراج.
وعقلنة التخييل في "أوبنياس" سوف يستثمرها عمر حسين سراج في رواية تحكي مأزق الوقوع بين سلطتي "الواقع" و"الخيال"، لتصوير الحال الناجمة عن محاولة الانسراب عبر شرنقات الخيال من واقع الانتماء إلى مكان حسي (الرياض) إلى مكان متخيل (الهند) اعتقد بطله واسمه "وائل البرجس" أنه بوصوله إليه سوف يحقق حلمه بأن يكون ممثلاً سينمائياً شهيراً، ومثله الأعلى في ذلك كان الممثل الأمريكي "مات ديمون" الذي ظن أنه يشبهه لحدٍ بعيد، ولكن دراسته في تخصص آخر وتخرجه من قسم المحاسبة في جامعة الرياض وظروف عمله كأمين مستودع وانهماكه في تأمين سبل العيش، وعدم وجود معهد متخصص في مهن السينما في بلاده أو حتى في البلدان العربية المجاورة قد حال دون تحقيق طموحه، ولكنه طموح لم يغب عن ذهنه يوما؛ً ينتظر الوقت المناسب للظهور؛ والآن هو في الثلاثين من عمره واتخذ قراراً شجاعاً. والقرار هو تغيير مساره المهني وتجسيد أحلامه حقيقة؛ ونقطة البداية سوف تكون من مومباي، فسافر إليها؛ ليكون حلمه بانتظاره في الهند إنه "أوبنياس" الذي سيرافقه في رحلة أحلامه عبر محطات يتعرف خلالها إلى الولايات الهندية وتراثها وأساطيرها التي أوسعت في الرواية مكاناً للغرابة والأساطير والمشاهد السوريالية، لتشكّل نسيجاً روائياً فريداً تسهم المخيلة في صنع أحداثه.. والتي سيحمل معها الروائي بطله إلى الخوض في أجواء غريبة والسفر إلى مطارح بعيدة يتحرر فيها من واقعه ولكن ضمن دائرة الخيال فيبرع في تصوير مشاهداً يشترك فيها الأحياء مع الأموات والبشر مع الآلهة والكهان.... وبعد تجربة فريدة يعيشها وائلاً بمحيط ساحر متقلب الأجواء والذكريات والأماكن والشخصيات والصور التي كونها خلال حياته عن بلاد الهند والتي يمكن أن تمثل نموذجاً لانزياحات الوعي خارج المكان (الأصل)، إلى المكان (المجاز)؛ سيكتشف بطل الرواية أن الحدود بين الخيال والحقيقة هشة وواهية، وأنه عاش حلماً استولى على حياته، من دون أن يحقق غايته، حتى آبا وغرفته ذات الرقم 1313، لم يكونا سوى من بنات خياله اكتشف هذا عندما بحث عن "أوبنياس" في آخر محطة من رحلاته في الهند ولم يجده في قائمة النزلاء في الفندق وعلم من موظف الاستقبال أن "أوبنياس باللغة الهندية الأوروبية تعني خيال!"، هذه الحقيقة التي باغتت وائلاً كانت ضرورية ليعرف أن الأحلام لا تجسد الحقيقة؛ وأن كل ما عاشه هو مشروع حلم بأن يكون نسخة مقلدة من ممثلٍ شهيرٍ بدل أن يكون هو نفسه، ويحقق ذاته، فآبا ليس له وجود وهو مجرد خيال وليس هناك تشابهاً حقيقياً بينه وبين مات ديمون، وحتى نسائه الجميلات كيران، ونيلم، وأمريتا، وكاجل، وأرجون، لم يقعن صرعى هواه وعشقه، وأنه لم يتزوج يوجا ولا أنجلي ولا كافيتا ولا أميتاب، ولم يواجه المخاطر في أرض المحرقة في مومباي، ولم يعبر فوق جثث الموتى المحترقة؛ لمجرد الوفاء بوعد قطعه لمتسول في الشارع الخلفي للفندق الذي يقيم فيه، ولم يغامر بحياته عندما أنقذ كيران من الفيل الضخم المرعب الذي كان يندفع اندفاعاً جنونياً نحوها، وأنه لم يكن ذلك الرجل الشجاع المقدام الذي صعد إلى المركب الصغير المتهالك في جنح الظلام مع كوكبرج، يبحثان عن الببغاء الفضي. ولم يكن ذلك الفارس الذي قفز فوق صهوة جواده، لينطلق نحو الخنزير البري ممسكاً برمح قذفه به في مقتل لينقذ ابنة الملك؟! وأن كل تلك الأمجاد والبطولات التي عاشها فيما مضى، وهو العربي المقدام في بلاد العجائب، كل هذا لم يكن سوى أوبنياس/خيال.