فندق الأربعون نجمة
تأليف
عمر حسين سراج
(تأليف)
رواية بعد أخرى ما ينفك الروائي السعودي عمر حسين سراج يحفر في كل الفضاءات النائية في ذاكرته، يبحث عن فكرة جديدة، أو ينقب عما هو مجهول؛ أو يكشف لِما هو مخبوء، يقدمه لقارئه علّه يشعره بمعنى جديد للحياة، أو يجعل للقراءة مذاقاً آخر أكثر ارتباطاً بعالم الإبداع الذي لا نهاية ...له. في «فندق الأربعون نجمة» تبرز أهمية الأدب في التعبير عن حقائق الأعمال، وحقائق الأفراد، على المستوى العام/الدول، وعلى المستوى الخاص/الأفراد؛ على اعتبار أن الرواية فضاءً غير محايد، تتصارع عبره وفيه مصالح اجتماعية وقيمية متعددة، تعكس مسلكيات الأفراد المندمجين في سياق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لذلك فإن رواية "فندق الأربعون نجمة" تعكس التحول نحو المجتمع الاستهلاكي لعصر الانفتاح، وخاصة في السلع المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع الغربي أو اقتصاد السوق الرأسمالي المعولم، حيث قدم الروائي صورة أيديولوجية وتعبيرية صريحة عن شركات الأغذية العابرة للقارات (الوجبات السريعة) واستماتة أصحابها لفتح فروع لها في كافة بلدان العالم ومنها العالم العربي؛ ويفعل ذلك الروائي من خلال رصده لسياسات التسويق التي تنتهجها الدول الغربية اتجاه بلدان العالم، ومن خلال رصده للبعد الذاتي لبطل الرواية، وتفاعله مع قيم الغرب الرأسمالية (الربحية). هذا الواقع سوف يكتشف زيفه بطل الرواية بعد وقوعه في أسر القوانين الناظمة لتلك الشركات العالمية مانحة الامتياز، والتي أخفت عنه "خلطتها السرّية" رغم سعيه للحصول عليها بمختلف الطرق، ليعود في نهاية الرواية إلى ذاته الحقيقية التي غفل عنها في سعيه الطموح للوصول إلى المال والثراء السريع.
في الرواية يترك عمر حسين سراج الراوي العليم يكشف العوالم السرّية لشخصيات أبطاله، ويقف على الأبعاد الداخلية والخارجية لحركاتهم وسكناتهم. أما الحوار فيجري عفوياً لنقل أفكار وسلوكات وأحوال ومواقف الشخصيات نقلاً أميناً، فبطل الرواية غنام المطيري الذي أصر والده أن يتخصص في مجال التغذية ولم تكن تلك رغبته، يقدمه والده بعد التخرج لدحمان باموسى الذي تصادف حاجة شركته لمن هو بمثل مؤهلات غنام فيتم قبول شراكته في مشروع واعد وفي مجال تخصصه. وأثناء العمل، يميل دحمان إليه، ويرعاه، ويدعمه داخل الشركة، ويوافق على زواجه من ابنته، الذي سيؤدي برأي غنام بعد وفاة دحمان المتوقعة بين لحظة وأخرى، إلى انتقال الثروة بالوراثة إلى ابنته آمنة، التي لا تعرف من الحياة إلاّ داخل محيط دارها، وبالتالي ستنتقل مهمة إدارة أموالها إليه، بما فيها ملكية غالبية أسهم الشركة الجديدة التي سيتم تنفيذ خطوات مشروعها الضخم مع "مطاعم شهية للوجبات السريعة"، والتي وجد فيها غنام مفتاحاً للثراء السريع.. بعد أن أقنع دحمان بجدواها الاقتصادية.. يتابع غنام أعمال الشركة الجديدة.. يسافر إلى الصومال.. ومن ثم إلى لندن.. ويرتبط بعقود معها حتى ظن أن الدنيّا فتحت له أبوابها، ليكتشف في نهاية رحلته إلى الثراء السريع فساد أطعمتها؛ وأنه كان مجرد (أداة) لوصول تلك الشركة إلى بلدان الخليج العربي. هذه الحقيقة المرّة جعلت من غنام يكتشف أنه ليس سجين طموحه الغير مشروع فحسب، بل سجين ذاته، وأن هناك منطقة أخرى تشكل الكثير من علامات الاستفهام لم يتطرق إليها إدراكه المنغلق، وعندما أضناه البحث ألحت عليه فكرة غريبة، فكرة ملحة، وكأنها تملي عليه، أن يتخيل ويصف نفسه؛ حياته وهو جنين داخل رحم أمّه.. يتمنى العودة والسكن فيه كـ "فندق الأربعين نجمة؟".
لقد أبرزت رواية «فندق الأربعون نجمة» وعبر مستويات فلسفية وجمالية مختلفة، سعي الذات الداخلية إلى تثبيت ذاكرة لوجودها الحسي المتعدد، الذي يتهدده الفناء في أي لحظة، واستكناه هوية نوعية سامية متعالية على كل التصنيفات وغير مرئية، تتخطى الزمان والمكان أنها الحقيقة الأزلية، (الله). وبكلام آخر الرواية تبعث برسالة، تحدد الهدف من وجود الإنسان على هذه الأرض، "أن الأنا هي الذات المزيفة، وأننا لا ننتمي إليها، وإنما مرجعنا إلى الأصل؛ إلى الذات العليا التي أودعها الله في فؤادنا.."، و"أن فندق الأربعين نجمة موجود داخل كل واحد منا، وليس علينا في هذا المكان إلا الاستسلام، وترك أمور القيادة للمصدر وطاعته.. طاعة الله"؛ فهل وصلت الرسالة؟