خسارة عدو ؛ أوباما وإيران وانتصار الدبلوماسية
تأليف
تريتا بارزي
(تأليف)
يعتبر كتاب «خسارة عدوّ: أوباما، وإيران، وانتصار الدبلوماسيّة» للكاتب تريتا بارزي توثيق شبه شامل لمسيرة المفاوضات بين الغرب، ممثلاً في مجموعة خمسة زائد واحد (الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن + ألمانيا) وإيران على مدى 22 شهراً عبر اجتماعات تقطّعت أحياناً وتواترت في أحيان أخرى، لكنها شهدت زخماً وجديّة بعد انتخاب ...الرئيس الإيراني حسن روحاني، وبعد أن فتح العُمانيون قناة اتّصال مباشر مع المرشد الإيراني الأعلى.
انتهت المفاوضات بتوقيع الاتفاق الذي التزمت إيران بموجبه بالتخلص من مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب وتقليص برنامجها عبر تحديد عدد أجهزة الطرد المركزي، ثمّ السماح بتفيش منشآتها النووية.
ووفقاً لرأي المؤلف فإن ثمة عوامل عدّة ساعدت في التوصّل إلى الاتفاق، أبرزها رغبة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما التخفّف من أعباء الشرق الأوسط، الذي بدأ يفقد أهميته الاستراتيجية، والتوجّه نحو شرق آسيا. ويشير المؤلف إلى أن أوباما كان يعتقد أن «الشرق الأوسط غير قابل للإصلاح، وكلما تفاعلت الولايات المتّحدة مع مشاكله، زادت الأمور سوءًا، وتحمّلت الولايات المتّحدة المزيد من اللوم على معاناة المنطقة. وإذا كانت ليبيا قد برهنت لأوباما أن من الأفضل تجنّب المنطقة، فإن صعود «داعش» أثبت له أن المنطقة لا يمكن إصلاحها». ولم تقتصر المباحثات بين الجانبين الأمريكي والإيراني على الشأن النووي والعقوبات، بل تعدتها إلى قضايا أخرى ساخنة في المنطقة، خصوصاً القضية السورية. وفي رأي إدارة أوباما فإن لإيران دوراً مهماً ينبغي أن تلعبه في هذا الشأن وفي غيره من قضايا المنطقة. وقد أبدى أوباما إعجابه ببراغماتية قادة إيران، بعد تفاعله معهم، وتكونت لديه قناعة بأن القادة في طهران واقعيون وعقلانيون ويسعون خلف مصالحهم، و«أن الإيرانيين يتّخذون باستمرار قرارات محسوبة تساعدهم في الحفاظ على نظامهم، وتوسيع تأثيرهم، حيث استطاعوا، وتتيح لهم انتهاز الفرص، وإنشاء ما يعتقدون أنها أسيجة لصدّ أي هجوم إسرائيلي محتمل، على شاكلة حزب الله وغيره من وكلائهم في المنطقة». وإعجاب أوباما هذا بقادة إيران يقابله رأي آخر مختلف في منافسي إيران من العرب في المنطقة.
وقد أدى تراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة، بسبب استراتيجية أوباما الهادفة إلى إعادة التموضع الاستراتيجي في شرق آسيا، إلى انهيار شبه تام للنظام الإقليمي في المنطقة، الذي بدأ أساساً في الانهيار بعد غزو العراق. والسعي الأمريكي للتوصّل إلى الاتفاق النووي مع إيران، تمهيداً للانسحاب من المنطقة، أثار مخاوف أهمّ حليفين لأمريكا في الشرق الأوسط: إسرائيل والسعودية. حاول رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو جاهداً الحيلولة دون التوصّل إلى الاتفاق مع إيران، فشنّ حرباً شرسة ومكشوفة على أوباما داخل الولايات المتّحدة، فألّب عليه قسماً واسعاً من أعضاء الكونغرس وجماعات الضغط والإعلام، بالإضافة إلى التهديد بالهجوم على منشآت إيران. أما السعودية فقد رأت من جانبها أن الموقف الأمريكي يُعتبر «بمثابة خيانة. فبالنسبة للرياض، كان أوباما يتخلى عن العالم العربي بأكمله ويمالئ طهران من خلال اتباع سياسةٍ تدعم إيران لتكون أكثر قوّة».
يستند المؤلف في معلوماته الوافرة والشاملة، التي أوردها في هذا الكتاب، إلى مقابلات مع صانعي القرار في الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، وإسرائيل، وإيران، بالإضافة إلى اللاعبين الفاعلين غير الرسميين في واشنطن العاصمة، الذين ساعدوا في تحقيق استراتيجية أوباما الدبلوماسية.
إلى جانب الوقائع السياسية والدبلوماسية والمسارات الشاقة التي سلكتها المفاوضات والألاعيب التي لجأ إليها المتفاوضون، يروي المؤلف بعض وقائع الصدامات الشخصية العاصفة بين الجانبين الأمريكي والإيراني، حتى أن الأمر بلغ حدّ الصراخ والضرب بالأيدي على المناضد في أحد الاجتماعات المتوتّرة بين وزيري الخارجية الأمريكي جون كيري والإيراني محمد جواد ظريف، «حيث دخل الوزيران في مباراة صراخ لم تنته إلا عندما دخل أحد مساعدي كيري إلى الغرفة ليطلب من وزيري الخارجية أن يخفضا صوتيهما، لأن جميع من في الفندق يمكنهم سماع ما يقولان». في المقابل، ثمة حكايات عن العلاقات الإنسانية اللطيفة التي نشأت بين أفراد من الوفدين الأمريكي والإيراني، بما في ذلك تبادل الهدايا وسرد النكات والقصص العائلية.
تنبع أهمية صدور النسخة العربية من هذا الكتاب الآن من الصخب العالمي الذي أثاره الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، بعد قراره الانسحاب من الاتفاق، وما ترتب على ذلك من عودة التوتّر في العلاقات بين أمريكا وإيران ومخاوف دول الاتحاد الأوروبي من الخسائر التي ستتحملها شركاتها التي بالكاد دخلت السوق الإيرانية.
وُلد المؤلف تريتا بارزي عام 1974 في الأحواز في إيران ويحمل الجنسيتين الإيرانية والسويدية، وهو مقيم في الولايات المتّحدة. تخرّج بارزي من جامعة جونز هوبكينز في الولايات المتّحدة، ومن جامعتيّ أوبسالا وستوكهولم في السويد. قدّم تريتا بارزي المشورة لإدارة أوباما أثناء المحادثات مع إيران، وكان على اتصال شبه متواصل مع صناع القرار والدبلوماسيين في الجانبين الأمريكي والإيراني على حدّ سواء.يركز هذا الكتاب، الذي صدرت ترجمته العربية هذه في الوقت المناسب، على استراتيجية الرئيس أوباما المدروسة بعمق تجاه البرنامج النووي الإيراني ويكشف كيف أدّى الاتفاق التاريخي الذي أبرم عام 2015 إلى كسر الجمود الذي هيمن طويلاً على المفاوضات وأعاق جميع الجهود السابقة لتحريكها.
وقد حقق الاتفاق نجاحين كبيرين بضربة واحدة: فقد نجح في تفادي خطر نشوب الحرب مع إيران، وعطّل إمكانية حصول إيران على السلاح النووي. ومؤلف الكتاب تريتا بارسي، الخبير في السياسة الخارجية الشرق أوسطية، والذي قدّم المشورة للبيت الأبيض في عهد الرئيس الأميركي السابق أوباما طوال المحادثات وتمكن من التواصل المباشر مع صانعي القرار والدبلوماسيين على الجانبين الأمريكي والإيراني على حد سواء، تفحّص في كتابه هذا كل جانب من جوانب الانتصار الدبلوماسي الذي تحقّق والذي قد يحتل مرتبة من الأهمية تعادل أهمية قرار نيكسون بالتقارب مع الصين. ومن خلال أكثر من 75 مقابلة معمقة مع صانعي القرار الرئيسيين، بما في ذلك وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، ووزير الخارجية الأميركي [السابق] جون كيري، يُعدّ هذا الكتاب بمثابة أول تقرير رسمي عن إنجازات الرئيس أوباما في السياسة الخارجية.
يشغل المؤلف تريتا بارسي رئاسة المجلس الوطني الإيراني الأميركي. وهو مدرِّس في جامعة جونز هوبكنز وفي كلية إدموند إيه والش للخدمة الخارجية بجامعة جورجتاون، وهو أيضاً مؤلف كتاب «حلف المصالح المشتركة: التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران والولايات المتّحدة الأمريكية» (الدار العربية للعلوم ناشرون، 2008)، و«رمية نرد وحيدة: دبلوماسيّة أوباما مع إيران»، واللذين أوضحا أسس التنافس الجيوسياسي ووثّقا العديد من الفرص الضائعة لحلّ التوتّرات دبلوماسيّاً، بما في ذلك الخلاف حول برنامج إيران النووي. ويُعتبر هذا الكتاب من عدّة وجوه الجزء الثالث من هذه الثلاثية، وهو يُبيّن ليس فقط كيف حلّت الولايات المتّحدة وإيران الأزمة النووية، بل يشرح أيضاً كيف وصلت السياسة الأميركية الهادفة إلى احتواء إيران والتأسيس لنظام شرق أوسطي من دون إدراج إيران - التي في مركز التوتّرات الجيوسياسيّة – إلى خواتيمها أخيراً.