بقعة ضوء وسط الظلمة
تأليف
علاء المحياوي
(تأليف)
في روايته «بقعة ضوء وسط الظُلمة»، يستجيب الكاتب العراقي علاء المحياوي بكل قوى روحه، وألم وجدانه، لزمنٍ تراجيدي عاشه أبناء وطنه بدءاً من حرب الخليج الأولى مروراً بالثانية وحتى دخول القوات الأميركية العراق في العام 2003.
ترصد الرواية وقائع حياة عائلة ضابط كبير في الجيش العراقي هو "صبحي عون النجم"، الذي ...عُرِف بولعه المبكّر بالحياة العسكريّة، وإخلاصه للنظام الأسبق في العراق، إلى درجة إقدامه على قتل ولده الأكبر عصام، لمعارضته الانخراط في الحرب العراقية – الإيرانية، وانتقاده للسياسة العامة في البلاد. فكان مقتل ولده سبباً في ذيوع صيته وفرصة فريدة يرتقي من خلالها المناصب العسكرية.. ولكن ما أن يصحو من غفلته سوف يعاقب هذا الضابط نفسه بنفسه.. وأما بالنسبة لبقية أفراد العائلة فكان وقع هذا الحدث أليماً، وخاصة بالنسبة للأم التي حمّلت زوجها وزر ابنها، ومرض أخيه فريد الذي فقد النطق نهائياً ولم يعد يستطع الكلام حتى تخلت عنه زوجته تاركة ابنتها الصغيرة زينب مع عمتها انتصار وهي الوحيدة التي حاولت أن تكون فتاة قوية ومتماسكة.
هذا الحدث الدرامي المفاجئ في أول الرواية، لم يكن الوحيد، إذ لم تخلُ الرواية من إبراز دراميتها عند كل منعطف. فيتخذ السرد شكل البوح، وهو بوح يفضي إلى معرفة قصص الضحايا، ويفعل ذلك الكاتب من خلال تقنيات عدّة، تتضافر معاً في تشكيل الرواية، وأبرزها الراوي الضمني/ العليم وتقنية الرسالة الإلكترونية والخبر الصحفي والمزاوجة بين الوصف والحوار، بغية الوقوف على الأبعاد الداخلية والخارجية للحكاية وللشخصيات الروائية، إذ يمهّد السرد فيما بعد لكي تشكّل كل شخصية من شخصيات الرواية راوياً مستقلاً بذاته، يروي حكايته انطلاقاً من موقعه في الأسرة وفي البلد ودوره ورؤيته للأحداث الدامية في وطنه، سواء من خلال حضوره المباشر في النص، أو من خلال ما يحكيه الآخرون عنه في حكاياتهم. إذ تنتظم الرواية حكايات رئيسية تتمثل بعلاقة الحب التي جمعت بين "انتصار"، المعلمة ابنة الضابط "صبحي عون النجم" مع "وائل" الفنان وصاحب الحانوت في المدرسة التي تعمل فيها "انتصار"، والذي رفضه والدها لأسباب طبقية. ثم مغادرتها مع مَن تبقّى من أفراد عائلتها بغداد إلى إقليم كردستان بعد تصاعد أعمال العنف والقتل التي اجتاحت البلاد. وكان مصير وائلاً الاعتقال العشوائي من قبل عناصر الجيش الأميركي أثناء تواجده لحظة وقوع هجوم مسلح. أما خاله "عبد الجبار"، عازف الناي فله مع "نسرين"، الجارة ذات الأصول الإيرانية قصة حب رومانسية بدأت ولكن لم تكتمل؛ مع قرار حكومة البعث بإسقاط الجنسيّة العراقيّة عن كل من له أصول إيرانيّة وترحيله خارج البلاد، وكانت عائلة نسرين من بينهم. وأما "عبد الجبار" فهو الآخر يتعرض للاعتقال والسجن من قبل عناصر البعث .. ويستمر السرد ليُعبّر عن ذلك الإحساس بأفول العمر والشعور بالوجود على حافة الحياة بانتظار النهاية.. وهكذا وبعد خمسة وعشرون عاماً ومع انتهاء الحرب الإيرانيّة – العراقيّة، تعود "نسرين"، للقائه في يوم لا ينفع معه لقاءْ.. وتتعدد الحكايات لتكشف عن واقع قاتم ينوء بكلله على شخصيات الرواية، وفي نفس الوقت يبرز قدرتها على اجتراح بدايات جديدة، وإرادتها في الاستمرار ولو من خلال بقعة ضوء وسط الظلمة.