أنياب الخليفة وأنامل الجنرال ؛ رواية إنقضاض السادات على الناصرية .. وإسرائيل ومداواة السيسي للجراح الروسية
تأليف
فؤاد مطر
(تأليف)
على طريقته التي تعتمد التوثيق ونبش الأرشيف الشخصي وعرض مختلف وجهات النظر، يقدم الزميل الصحافي والكاتب السياسي فؤاد مطر لقارئه كتاباً مرجعياً قيماً عن أنور السادات، وتلك المرحلة التي شكلت تحولاً في المنطقة بأسرها. «أنياب الخليفة وأنامل الجنرال» كتاب ضخم من 600 صفحة، فيه مقابلات، وشهادات لشخصيات، ووثائق وصور، ...كما معلومات، جمعها الكاتب أثناء عمله الصحافي الميداني، منها ما نشر في حينه، ومنها ما كان يستعصي على النشر، وبات إعلانه ممكناً.
كان فؤاد مطر أثناء تغطيته الصحافية لتلك الفترة الحرجة في مصر يخشى عقوبات المخابرات، وهو يرسل تقاريره إلى صحيفته في بيروت. «كل رسالة كان لا بد مراقبتها، لذلك كنت أبعث فقط ما يرضى عنه الرقيب، وأحتفظ لنفسي بالباقي، مكتوباً بخط يدي. وأنا أعرف أنه لا بد سيأتي يوم أستطيع فيه أن أخرج ما في جعبتي من ظلمته، على غرار ما يحدث للوثائق البريطانية».
في الكتاب، نحن أمام رواية متكاملة، يحاول مطر أن يبقى خارجها، ألا يتدخل، ألا يقحم رأيه الشخصي، يترك الشهود يروون، كلاً من زاويته ووجهة نظره، ما يجعل الشهادات في بعض الأحيان متناقضة أو غير متآلفة بالضرورة. والمؤلّف الجديد يصدر عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» في بيروت، بعد مرور 100 سنة على ولادة أنور السادات، الرئيس الذي خاض حرب أكتوبر (تشرين الأول) واعتبرها آخر الحروب، وأبرم بعدها اتفاقية «كامب ديفيد». وهو الرئيس الذي قام بخطوة استثنائية وغير مسبوقة في بلاده. لذلك يرى مطر «أن السادات مسؤول عما تعيشه الأمة منذ أن طوى القرن العشرون الورقة الأخيرة من صفحات أيامه لتبدأ المعاناة الأشد وطأة».
مقدمة جميلة ومهمة للسياسي والكاتب المعروف كريم بقرادوني، وقد تم اختياره رغم أنه لبناني ليعلق على أحداث مصرية، لأنه كان إلى يمين بشير الجميل، الذي وجد فتوى لفعلة السادات، يضاف إلى ذلك أن بقرادوني كان صلة وصل، وشاهداً على رأي الرئيسين اللبناني إلياس سركيس والسوري حافظ الأسد عند زيارة السادات لإسرائيل. ويعتبر مطر أن كتابه يكشف عن معلومات ميدانية وفيرة لجيل لم يعش الأحداث ويواكبها، أو كان صغيراً عند وقوعها، وهؤلاء من حقّهم علينا أن يعرفوا ما حصل.
يصف الكاتب أنور السادات بأنه «رجل حالم، متعجل، عاشق للزعامة، عمل ممثلاً، ولم يثبت نجاحاً، لكن هذه الخلفية إلى جانب الاستعراض وحبّ الغناء، بقيت كامنة في شخصيته. ومن الصعب على ممثل وفاشل أيضاً في مهنته، أن يصبح رجل دولة ناجحاً».
ويعتبر مطر أن السادات «في سلوكه كان متعدد الشخصيات، وله ولاء لكل واحدة منها، وقرارته لم تتسم بالوعي. فهو جامع لأشياء عجيبة في شخصية رجل واحد. لهذا ربما، قرأ واقعه بشكل مختلف عن الجو الوطني الذي كان سائداً قبله. كان يستشعر أنه وارث لهزيمة شديدة المرارة ومشكلات اجتماعية كبيرة. ظن أيضاً أنه إذا سار في اتفاقه مع إسرائيل، سيسير الباقون خلفه، وسيصبح بعدها زعيم الأمة ورجل السلام. لم يقدم على اتفاقية الاتفاقية التي ستغير مجرى الأحداث في المنطقة، قبل أن يجري اتصالات مع قادة عرب، لم يسمع حينها موافقات، لكنه فهم أن ثمة غضّ طرف، فشجّعه ذلك على الإقدام».
يُرينا الكتاب أن السادات خاض حرب 73 بهدف التسوية، لا بهدف التحرير. ويضيف مطر: «دخل الجيش الحرب على أنها حرب استرجاع، ومن هنا كان خلاف السادات مع سعد الدين الشاذلي وبعض الجنرالات الذين اشتغلوا للحرب بهدف التحرير الوطني الكامل، بينما كان هو تحت تأثير عروض كسينجر».
لا ينكر الكاتب أن خطوة السادات صدمت كثيرين، لكنها في الوقت نفسه خلقت حالة شعبية، ناتجة عن الوضعين النفسي والاجتماعي اللذين عاشتهما مصر بعد الهزيمة والانكسار. أراح الناس من الحروب، وكانوا ينتظرون الانفتاح، لكن النتيجة لم تكن مشجعة أبداً، وهو ما لعب عليه «الإخوان المسلمون». صحيح أن السادات ربح الغرب، وكسب تأييداً إعلامياً هناك، وتصدّرت صورته أغلفة مثل «التايمز» و«نيوزويك»، لكن في النهاية، تمت تصفيته بسهولة لافتة، وكان لبشير الجميل الذي سلك الطريق نفسه، نهاية مشابهة. وهذا ليس فعل مصادفة.
ثمة مفصلان في سيرة السادات على الأقل، أولهما حين توترت علاقته مع الاتحاد السوفياتي، والثانية حين أدار وجهه صوب إسرائيل. يحمّل الكتاب المسؤولين الروس وزر تشنج الصلة بالرئيس الجديد، لأنهم أساؤوا التعامل مع السادات فور تسلمه الحكم، أظهروا عدم ثقة بالرجل وقلة في اللياقة، وأرادوا أن يفرضوا عليه معاهدة أتوا بها مطبوعة بصيغتها النهائية، وما كان عليه سوى أن يوقع. عاملوه معاملة لا تشبه تلك التي خصوا بها جمال عبد الناصر، ووثقوا علاقتهم في الوقت نفسه بمن تبقى من رجالات الرئيس الراحل في الجيش على حساب علاقتهم بالسادات. ذاك ما كان ليرضي السادات، الذي كان الأميركيون قد بدأوا بإغرائه. هو من كان يقول لمن حوله غاضباً: «إرادتنا فوق كل إرادة».
نقرأ في الكتاب كيف طوى السادات الصفحة الناصرية وبأي ثمن. نتعرف على التفاهمات والمناورات بين السادات ومعمر القذافي وحافظ الأسد، في رغبة من الرئيس المصري لعقد اتحاد مع البلدين. وكيف أُبعدت السودان أو استبعدت عن المشروع. ثم كيف ضرب أنور السادات رجالات عبد الناصر وتخلص منهم، من خلال تفاصيل، لربما لا يعرفها كثيرون. هناك أيضا روايات حول تلك التصدعات في العلاقة مع موسكو، والحرب النفسية بين الطرفين. ويعيد فؤاد مطر تسليط الضوء على علاقة السادات بالشيوعيين في مصر. يأخذنا لنستمع إلى 4 روايات لأشخاص كانت تربطهم علاقة مميزة بالسادات، يتكلمون عن كواليس زيارته للقدس، وهم الإعلامي محمد عبد الجواد، والرئيس حافظ الأسد، والكاتب أحمد بهاء الدين، وزوجته جيهان السادات، التي كانت مشجعة أولى لهذه الخطوة.
وفي نهاية الكتاب مقابلة غنية مع المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية في حقبة النصر النوعي على إسرائيل الذي حققه أنور السادات في حرب 6 أكتوبر.
سرد فؤاد مطر أحداث ذاك الزمن المفصلي، كما لو أنه يروي «حكاية مسلية، لكنها موثقة، فيها مشاهد دراما وتشاوف وصراخ وجرأة زائدة عن الحدّ».في كتابه الجديد هذا «أنياب الخليفة.. وأنامل الجنرال» الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون ودار الناشر العربي الدولي (2019)، والمتزامن صدوره مع مئوية الرئيس أنور السادات بعد مئوية الرئيس جمال عبد الناصر، يضيء المؤلف فؤاد مطر على وقائع وخفايا مرحلة بالغة الأهمية عاشتها مصر وواكبها كصحافي أخذت التطورات السياسية من متابعته واهتمامه الكثير.
والمرحلة المشار إليها بالذات ذات محورين: (الأول) يتعلق بوراثة السادات لرفيق ثورة 23 يوليو 1952 وقائدها عبد الناصر وكيف انتهى الصراع إلى أن الرئيس الوريث بعدما تمكَّن وجَّه ضربات متتالية إلى الحقبة الناصرية وأبعد رموزها عن المشهد السياسي والشأن العسكري. البعض اعتقالاً والبعض الآخر تهميشاً.
أما المحور (الثاني) فيتمثل بالعلاقة المصرية – السوفياتية التي بدأها الرئيس السادات بمعاهدة أبرمها على غير اقتناع مع الاتحاد السوفياتي ثم ألغاها بنفسه وألحق بذلك أقسى إهانة معنوية بمهابة الاتحاد السوفياتي.
وفي السياق ذاته، تأتي مرحلة بلسمة الجراح المعنوية لروسيا البوتينية بداية من جانب الرئيس حسني مبارك وترسيخاً استراتيجياً مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وفي معالجته للموضوع من كافة المحطات التي تعكس الصراع والمنازلات يعتمد فؤاد مطر على الوثائق وما تسنَّى له الإطلاع عليه من معلومات في إضبارات بعض دوائر صنع القرار لم تأخذ طريقها إلى الكشف عنها، ومن دون أن يغادر نهجه الموضوعي وبما يخدم القضية العربية والتضامن الثابت بين أقطار الأمة. وهذا نهجه في ما أصدره من مؤلفات بلغت ست وثلاثون مؤلَّفاً حتى الآن.