❞ تَنتَقِلُ بنا الكاتبة مِنَ نشأة الكون إلى ظهور الإنسان على الأرض وتُفَصِّلُ في تطوره البيولوجي والثقافي خاصةً من خلال عوامل رئيسية هي: النار واللغة والجَمال والزمن. وتُؤكِّدُ في مناقشتِها على تَمَيُّزِ الإنسان العاقِل على جميع الكائنات الحَيَّة الأخرى في ناحيتين: التَّراكُم والتَّقَدم في تطورِنا البيولوجي والثقافي بتأثير تَغَيُّرات ظروف البيئة، وقدرتِنا الفَريدة على تَغيير البيئة ذاتها في الوقت نفسه. الإنسان هو الكائن الحَيُّ الوحيد الذي قام بِتَغيير بيئته وغَيَّرَ مظاهرها في كافة أرجاء هذا الكوكب بِفَضلِ الإمكانيات العقلية والاجتماعية الفريدة التي يَتمَتَّعُ بها. ❝
⭐️⭐️⭐️⭐️
❞ إنّ جسمنا البديع في عمله مِنَ العَينَين إلى القَدَمَين إلى الدماغ الواعي المُدرِك قد نَشَأ من خَلية واحِدة خلال أسابيع. تَبدأُ البُويضَةُ المُلَقَّحَة بالنمو وتَنقسمُ وتُصبحُ تلك الخَلية الواحِدة كتلةً من خلايا جِذعِيَّة مُتعدِّدَة الإمكانيات، أي أن لديها الإمكانية لكي تُصبِحَ أي نَوعٍ من الخلايا في جِسمنا حسبما يَقتَضيه طريقُ تطورها البيولوجي. وهكذا، قد تَتطَور خليةٌ وجَدتْ نفسَها صدفةً على محيطِ الكُرة (كتلة الخَلايا الجِذعِيّة) وتُصبحَ خَلية عَصَبية في النُّخاع الشَّوكي، وخَليةٌ أخرى يَختلفُ طريقُ تطورها لتُصبحَ خليةً قَلبية. صَنَعَ التطور آليةً لبِناء جسمٍ وظيفي متكامِل من أعضاء وخلايا متعاوِنة، إنسانٌ كاملٌ، مِن خَليةٍ بسيطة واحِدة. ❝
⭐️⭐️⭐️⭐️
❞ البَشَرُ الآن أطول عُمراً ويَعيشون حياةً أفضل من ذي قَبل، ونحن أكثر الحيوانات الكبيرة عَدَداً على سطح الأرض، بينما القرودُ المُهدَّدَة بالانقراض، وهي أقرب الحيوانات إلينا، تَستمرُ بالعَيشِ مثلما كانت تَعيشُ منذ ملايين السنين. نحن لَسنا مِثل بقية الحيوانات على الرغم من أننا نَشأنا وتَطورنا من خلال النظام ذاته. فَمَنْ نحن إذاً؟ ❝
⭐️⭐️⭐️⭐️
❞ لَسنا النَّوعَ البشري الوحيد الذي سارَ على هذا الطريق التطوري، وسَنَزورُ أولاد عمومَتنا، غير أننا الوحيدون الذين ظَلُّوا أحياء. منذ مئات الآلاف من السنين بدأنا نَهربُ مِن مَهدِ بيئتِنا الأصلي باستِخدام ثقافتِنا للتَّغَلب على الأسوار الفيزيائية والبيولوجية التي حَبَسَت الأنواعَ الأخرى في حياتهم غير المُبدِعة. تَدفَعُ تَطَورنا الاستثنائي عواملُ أربعة رئيسية سَأصِفُها في الأجزاء التالية: النار والكلمة والجَمال والزمن. ❝
⭐️⭐️⭐️⭐️
❞ وَسَّعنا إمكانياتنا الفيزيائية باستخدام الأدوات، ووَسَّعنا دائرة الإدراك والمهارة في حَلِّ المعضلات إلى الدماغ المُشترَك في مجتمعنا. استطاع نَوعُنا، بفضل تطورٍ ثقافي جماعي، أن يزيد أعدادنا باستغلالٍ ناجحٍ للبيئة بأكثر كفاءة ممكِنة في استِخدام الطاقة.❝
⭐️⭐️⭐️⭐️
❞ تَستخدِم البشرية بشكل عام حوالي **** تيراواط من الطاقة، أي حوالي 2,300 واط يَصرفه كلّ واحدٍ منّا ويزيد ذلك 26 مرة من طاقتنا «الطبيعية». تمكَّنا من استِخدام هذا الارتفاع المُذهل بفضل الاستعانة بمصادر خارجية وتوزيع الأعمال التي تحتاج إلى الطاقة والوقت. يَسمح لنا ذلك بتوليد فائضٍ من الطاقة والغذاء والوقت ويؤدي إلى زيادة أكبر في عدد السكان مما يمكننا بدوره من زيادة كفاءة استِخدِام الطاقة وإيجاد مصادر خارجية أكثر. ❝
⭐️⭐️⭐️⭐️
❞ تُشَكِّلُ السيطرة على النار نقطةَ تَحَوُّلٍ في قصتنا، وأيضاً في قصة الحياة على الأرض لأنها كانت الخطوة الأولى في طريقنا لكي نصبح قوةً جديدة في الأرض. غَيَّرنا إلى الأبد آليات حَرَكَةِ الطاقة بين الكائن الحَيّ وظروف بيئته، وفَعَلْنا ذلك بشكلٍ كبير عن طريق تقليد بعضنا بعضاً بطريقةٍ استراتيجية وبأننا بَنينَا مَعاً دِماغاً جَماعياً ذكياً. ❝
⭐️⭐️⭐️⭐️
❞ القصصُ تأقلمٌ حيوي قوي لأنها تسمحُ لنا بالسفر بذاكرتنا عبر الزمن وتسمح لنا كذلك بالاستكشاف الذهني لاحتمالات مستقبلية مختلفة بدون هدر للوقت والطاقة. وكأنها تعمل كتجربةٍ افتراضية ذهنية تُمَكِّنُنا من معايشة فرضيات خطرة أو صعبة وتَحفظ لنا النتائج. نحن نفعل ذلك دائما بشكل غريزي: نستطيع تخيل السفر على طريق إلى مصدرين مختلفين للماء ونقرر أيهما هو الاختيار الأفضل دون الحاجة للقيام فعلياً بالسَّير شخصياً على الطريقين. ❝
⭐️⭐️⭐️⭐️
❞ تُمَثِّلُ الملابسُ الحالةَ ذاتها. يُناقِش باحثون في عِلم الإنسان أن ارتداء «ورقة التوت» أو «ورقة التين» قد بَدَأ كعرفٍ اجتماعي لتَغطية الأعضاء التناسلية التي انكَشَفَتْ بسبب وضعية الوقوف عند الإنسان: سَمَحَتْ هذه العادة لعددٍ كبير من البشر غير الأقرباء لكي يَعيشوا معاً دون حدوث صراعات وخلافات مستمرة. أما نَظريَّتي الخاصة فهي أن هذه العادة نَشأتْ مع الاستِخدام العَملي للحَمَّالات في حَمل الأطفال واستِخدام النساء للمِئزَر أثناء الطَّمث. ومثل كل الأشياء الأخرى نَصنَعُها أو نَستَخدُمها فإن تصبحُ مهمّة ثقافياً ويتم تزيينها وزَخرفتها وتقييمها وتقليدها ربما في كلا الجنسين. يُرسِلُ الناسُ من خلال نمط ملابسهم إشارات عن الوضع الاجتماعي والجنس ورسائل ثقافية مهمّة مثل الانتماء إلى قبيلتهم وديانتهم مما يُرسِّخُ عقلية «نحن مقابل الآخرين» التي تَفصِلُ جماعات البشر وتُضخِّم الفوارق الاجتماعية ضمن القبيلة الواحدة. وبهذه الطريقة تَلعبُ الملابسُ دَوراً رئيسياً في تطور ثقافات متمايزة وفي تطويرها وتَنافُسِها كل بحسب تقنياته وخبرته. وهذا هو الهدف من التَّزيين والزخرفة في تطور التأقلم الثقافي: لكي تَعكس الأعراف الاجتماعية وتَربط أفراد القبيلة مع بعضهم بعضاً في رواية واحدة. ❝
⭐️⭐️⭐️⭐️
❞ عندما تَغَيَّرتْ ظروفُ البيئة منذ حوالي 11,000 سنة وتَغيَّر نَمَطُ التيارات البحرية التي رفَعتْ سويةَ غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء، تَفَجَّرَتْ بيئةُ الأرض بالخصوبة. وخلال ثلاثة آلاف سنة ارتفعَ تَركيزُ غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء إلى 250 جزءاً في المليون، مما أدى إلى زيادة كبيرة في انتاجية النباتات ساعَدتْ بدورها على تَحسين التربة وتَخزين النيتروجين والماء. الزيادةُ الهائلة التي حَدَثتْ في الحبوب البريّة والفاكهة وغيرها من النباتات المفيدة تَعني أن الصيادين/الجامِعين لم يضطروا آنذاك إلى التَّنَقل بعيداً للحصول على المؤن وأن القطعان تَستطيع البقاء في مناطقها فترات أطول، وحَصَلَ البشرُ على استقرار في مواردهم بحيث تمكَّنوا من التعاون على مشاريع إنشاء أبنية كبيرة. بهذه الخطوات الصغيرة أصبَحنا مواطنين وبَنائين لامبراطوريات هائلة. غَيَّرَنا البحثُ عن الجَمال وغَيَّرَ عالَمنا، إلا أن هذه الثورة الثقافية لم تكن ممكِنة إلا من خلال التَّغير المناخي. ❝
⭐️⭐️⭐️⭐️
❞ اللغة أكثر من مُجَرَّد معلومات مُشَفَّرَة، وما تزال الروبوتات بدائيةً في تَواصُلِها. يَكمُنُ السِّر في ذلك في الاختلاف الخَفي العميق بين المعلومات والمعاني. المعلوماتُ مُتَضَمَّنةٌ في كلمات وجُمل، بينما تعتمد المَعاني الأكثر أهمية على سِياق المُتُحدِّث والسَّامع والمَزيج الثقافي المُتَطَور. ❝
⭐️⭐️⭐️⭐️
❞ تَمكَّنا بواسطة الجَمال من خَلقِ لُغةٍ بَصَرية أسَّستْ تعاوناً مع مجموعات أكبر من الناس لتأليف قبيلة مُتَّحدة في هوية مشترَكة وعادات اجتماعية ونظام معتقدات جماعي. نَجَحَ العملُ على هذه المستويات في تقديم ميزات حيوية واقتصادية وقدرة أكبر على البقاء، كما مَكَّنَنا مِنَ التَّنافس مع قبائل أخرى على المَوارد والمَصادر. غير أن التناقض الكبير في ثقافة الإنسان هو أنه على الرغم من مَيلنا إلى القَبَلية إلا أننا نعتمد على التعاون بين قبائلنا في تبادُل الأفكار والمَصادر والصِّفات الوراثية كما سنَكتَشِفُ لاحِقاً. ❝
⭐️⭐️⭐️⭐️
❞ نَتَعامل ونَتَبادل ونُتَاجر الآن بسهولة أكبر كثيراً، ولكن العملة التي نَستخدِمها في المعاملات لا تحمل قيمتها في حَدِّ ذاتها بل تتضمن نوعاً جديداً من الاعتقاد العام المشترَك. وعلى كل حال فإن التعامل الأصلي الذي قُمنا به باستِخدام المقتَنيات وإعطاء قيمة لأشياء غير مفيدة لنا بيولوجياً في حَدِّ ذاتها وليست طَعاماً نأكله ولا شَراباً نَشربه… ربما كانت أكبر قَفزةٍ إيمانية قُمنا بها في تاريخنا. ❝
⭐️⭐️⭐️⭐️
❞ ما أن بدأ الناس بامتلاك الحيوانات والنباتات بَدَلاً من التعامل معها كمَخلوقات بريّة حتى تَغيَّرتْ هذه العلاقة. تَغيَّرتْ آلهتنا مِنَ الحيوانات الحَيَّة والهياكل الطبيعية إلى أشكال مَبنِيَّة وهَياكل رَمزية ثم إلى أشكال بَشَرية. كما تَغيَّرتْ حالتنا الهَرَميّة في المجتمع. عندما أنشأنا أبنيةً دائمة لتَحمينا من المَخاطر، ومَهَّدنا الطرق وغيَّرنا مَسار تَدفقِ المياه… فقد صَنَعنَا عالَم الإنسان ❝
⭐️⭐️⭐️⭐️
❞ غَيَّرَ اختراعُنا للوقت ظروفَ الإنسان إلى ظروفٍ تُقاسُ بالوقت، وغيَّر ذلك ثقافتنا وحياتنا العضوية. ربما كنّا ذات يوم أكثر وَعياً بإيقاعِنا الطبيعي وأكثر انسجاماً مع الدَّورات الُمَتأرجِحة لأجسامنا عندما كانت إشاراتنا ومُحَفِّزاتنا الخارجية صادرة عن العالَم الطبيعي. ❝
⭐️⭐️⭐️⭐️
❞ فهل نُصَدِّقُ تجربتنا الخاصة ورؤية خبرتنا العَمَلية للواقع أم حقيقته الموضوعية؟ فما يبدو صحيحاً دون أي شك بالنسبة لِفِئةٍ من الناس قد يبدو جنوناً أو شريراً بالنسبة لآخرين. ❝
⭐️⭐️⭐️⭐️
❞ مَعنى الحياةُ مِنْ وجهة نَظَرٍ تَطَوريّة هو أن تَستَمر مُوَرِّثاتُنا في الوجود، وقد تَمَكَّنَا في الماضي من تطوير طريقة ناجِحة لفِعلِ ذلك مِنْ خلال الثقافة بحيثُ أننا نَسودُ كافة أشكال الحَياة على الأرض. ولكنَّ هَدَفنا الثقافي، وهو حُرِّيَةُ تَقرير المَصير، قد حَجَبَ وطَغى على بيولوجية أجسامِنا. لدينا القدرة على انتقاء مُوَرِّثاتِنا، وأن نَقرّرَ مَنْ يَعيشُ ومَن يَموتُ بل ونَستطيعُ القَضاء على نَوعِنا البَشَري كله. إذا أرَدْنَا البَقاءَ أحياءَ فَيَجِبُ على تَطَورِنا الثقافي أنْ يَتَّخِذَ الخطوةَ التالية والانتقالَ مِنَ المُحافَظة على جَماعتِنا إلى المُحافَظَة على جَميع سُكّان العالَم. ❝
⭐️⭐️⭐️⭐️
❞ نحن جميعُنا جُزءٌ مِنْ شيء غير عادي: مساهَماتُنا المُتكَررة في بِناء ثقافتنا المشترَكة تأخذُنا في اتجاهاتٍ لا يُمكِن التَّنبؤ بها، وتَخلقُ لَنا مشاكلَ جديدة، ونأملُ أنها ستُقَدِّمُ لنا حلولاً جديدة أيضاً. ففي نهاية الأمر، لا يوجَدُ أحَدٌ غَيرنا. ❝