إن كنا نظن أننا نري. فنحن نرى بالكاد ما بداخلنا. ما نريد أن نراه. جرب أن تنظر إلى فضاء مفتوح بصحبة عدد من الناس و لتسأل كل واحد فيهم عن شيء واحد مما يراه و ستدهشك النتيجة. هذا عن الرؤية المباشرة للأشياء. فماذا عن رؤيتنا للأشخاص؟ عن رؤيتنا للداخل؟ لأنفسنا و أفكارنا و أفكار الأخرين من حولنا؟
كان البصر يخفت بينهم تدريجيا. إلى حد أنهم لم يلحظوا فقدانه.
يا ليته البصر هو الذي خفت تدريجيا في مجتمعاتنا فما أسهل تعويضه بالحواس الأخرى. و لكن التي خفتت تدريجيا هي البصيرة.
كلامك ما بيتفهمش. احساسك مابيتوصفش. انت بتقول كرامة. و هما يردوا بمهانة انت بتقول العدل. بيقولوا عنك ندل.
حينما نفقد الضمير فقد ضاعت البوصلة بالكامل و تساوت كل الاتجاهات. فعندما تقول حرية يسمعونها إباحية و إن قلت عدالة اجتماعية يفهمونها شيوعية و إذا طلبت العدل فأنت قطعا تحصل على تمويل من خارج البلاد و تعمل لصالح الأعداء. أما الأمر الخطير فهو أن تخالف القطيع في تفسيرك للعقيدة رغم مشاركتك لهم في نفس الديانة إلا أن رؤيتك لها يجب أن تكون مطابقة لرؤيتهم.
و كما يقول الشاعر مصطفى إبراهيم: أطيع القطيع الذي تتبعه. فكلٌ بيمشي و قطيعه معه. أو كما قال من قبله أحمد فؤاد نجم: أطيع الخليفه أطع والديك. قطيع التنابله ده مفروض عليك.
وجد نفسه يحاول أن يشرح لهؤلاء الشيوخ القابعين في الظلام في بلد العميان طبيعة العالم العظيم الذي سقط منه. و يحكي لهم عن السماء و الجبال و الإبصار و ما شابه ذلك من عجائب. لم يصدقوا أو يفهموا أي شيء مما كان يخبرهم به. و هو ما كان خارج توقعاته تماما. بل إنهم لم يفهموا كثيرا من كلماته. فلأربعة عشر جيلا. ظل هؤلاء الناس عميانا. و منقطعين عن العالم المبصر. تلاشت أسماء كل الأشياء المتعلقة بالنظر و تغيرت. تلاشت قصة العالم الخارجي و أصبحت حكاية تحكى للأطفال. و لم يعودوا يشغلون بالهم بأي شيء فيما وراء المنحدرات الصخرية التي تعلوا الجدار المحيط بهم. ظهر بينهم عميان عباقرة و أخذوا يشككون في المعتقدات و التقاليد المهترئة التي ورثوها من أزمان إبصارهم السالفة. و من ثم أبطلوا كل هذه الأشياء. باعتبارها ضلالات عديمة الفائدة. و استبدلوا بها تفسيرات جديدة و أكثر تعقلا.
كلامك ما بيتفهمش. احساسك مابيتوصفش
عندما خرجت الجموع في بلادنا تنادي نداء غير تقليدي. حاول كل المنتفعين كبته سنوات طويلة. لم يفهم الحاكم في البداية. ثم قرر ملاعبتنا بادعائه أنه قد فهمنا أخيرا و أصبح معنا على نفس الموجه. و لما لم يفلح في ركوب الموجة. أغرقته. و لكن جاء أعمى أخر ليقود العميان. فكان مصيرنا جميعا إلى الحفرة. و تم إسدال الستار.
بحلول غروب الشمس كان قد كف عن التسلق. لكنه كان قد ابتعد و ارتفع. كان معتادا على الوصول إلى ارتفاعات أكبر. لكن الإرتفاع الذي وصل إليه كان لا يزال شاهقا. كانت ملابسه ممزقة. و كانت أطرافه ملوثة بالدماء. إذ أصابته كدمات في أكثر من موضع. لكنه استلقى كما لو كان في أفضل حالاته. و ارتسمت على وجهه ابتسامة.
اثبت مكانك. هنا عنوانك. ده الخوف بيخاف منك. و ضميرك عمره ما خانك
اثبت مكانك. ده نور الشمس راجع. يا تموت و انت واقف. يا تعيش و انت راكع
اثبت مكانك. ده عينيك شايفة الدليل. ابعد عنهم و سيب. الحيطة عليهم تميل
كلامك ما بيتفهمش. احساسك مابيتوصفش.
انت بتقول كرامة. و هما يردوا بمهانة
انت بتقول العدل. بيقولوا عنك ندل.
مطلوب منك السكوت تكون انسان بديل
مطلوب تسكت تموت او تعيش اسير
عايش في اكبر سجن بس من جوايا حر
حاضر حتعجب تكفي عني كل الشر
الولاء للماضي افكار لينا صديقة
كذب الكاذب جوايا تاكد الحقيقة
انعكاس تاريخ الزيف في المرايا واضح
طوبة تكسر المرايا للحقيقة فاضح
و مستورين من جوانا لو جسمنا انكشف
فاللي ينطق بالحقيقة بالخيانة اتوصف
انهازمي و انهزم لكن انتصاري اتسرق
الحقيقة فبروكها بحزن علي كتاب اتحرق
انا اللي ماتوا من سنة و اللي قاتل ما اتشنق
انا السطور علي الورق انا اللي من جوا اتحرق
انا اللي شعر شاب بموته و هو طالب مدرسة
انا اللي ثابت مهما قالوا و مهما زودوا الاسي