"ليس هُنالك ما هو مُثير للآسى أكثر من صوت الشوكة في بيت مُقفر، وتناول الطعام وحيداً، والنوم وحيداً، والموت وحيداً."
التجربة الأولى لي مع الكاتبة التشيلية "إيزابيل ألليندي" ودعنا نقول أنها كانت بداية متوسطة، ولكنها تعد بالكثير والكثير.
فالرواية وعلى الرغم من سرد "إيزابيل" الأكثر من رائع الذي سيجعلك ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع شخصياتها، إلا أنها رواية قد تنسى محتواها بعد فترة بسيطة.. لم أشعر أن الرواية أثرت في بالشكل الكبير إلا في تلك الحادثة الخاصة بـ"ريتشارد" ورُبما لضعفي الشخصي تجاه الأطفال وبراءتهم.. دائماً ما أجد نفسي ضعيفاً في حضورهم الحزين، وخصوصاً عندما يكون الكاتب عنهم جيد جداً، مثل إيزابيل بالطبع.
رواية أحداثها شتوية بامتياز، ثلج وصقيع يجعل أوصالك ترتجف، وثلاث شخصيات يضعهم تاريخهم القديم في نفس الطريق صدفة، وحتى الطريقة التي وظفت بها إيزابيل ماضي كل شخصية كان ذكي جداً، بعدما نعيش قليلاً في المُستقبل نعود إلى الماضي لنفهم شخصياتنا أكثر وأكثر ونتعمق في وجودهم وفكرهم وحكاياتهم وأسرارهم في بلدانهم المُختلفة كغواتيمالا وتشيلي والبرازيل والولايات المُتحدة.. وفي كُل بلد كانت إيزابيل تنقلك إلى الأجواء بطريقة سردها المُختلفة لكل شخصية.. فحتى لو لم تقرأ عنوان الفصل ستعرف عن أي شخصية نتحدث وأي بلد، من فحوى السرد.
"جنود الجيش يقترفون فظاعات ضد أناس مثلهم، من العرق نفسه، من الطبقة نفسها، ومن البؤس نفسه الذي لا يُسبر له غور. إنهم ينفذون أوامر، هذا صحيح، ولكنهم ينفذونها مُسممة بالمُخدر الأشد إدماناً: مُمارسة السلطة بلا عقاب."
وبالطبع تفردت العديد من الصفحات إلى جانب السياسة، وتلك المشكلات المُتعلقة بالهجرة غير الشرعية، وحرب العصابات في البلاد النامية، وكُل ذلك جميل.. ولكن أهم موضوع لمسني شخصياً.. ذلك الذي كان يخص الشيخوخة.. الحُب بعدما يهرم جسدك، وبأبسط حركة تقوم بها يُعلن جسدك احتجاجه.. فبعد العديد من السنوات عندما نصل إلى سن الخمسين، كيف سنعيش؟ كيف سنحب؟ هذا كان من ألطف ما قرأت عنه، وأصدق. لأنه رُبما ليس بهذه الروعة، ولكن الحُب دائماً ما يكون لطيفاً عندما تجده، أليس كذلك؟
ختاماً..
رواية جيدة تفتح لي أبواباً لعوالم ألليندي، وسردها الرائع، وتعدني بروايات ذات مستوى أعلى وأفضل.
يُنصح بها.