#ريفيوهات
" في مد الظل.....سر ونصيب"
في هذه المجموعة -التي فاجأتني من سلاستها رغم اعتمادها على السرد عن الحوار- فكرة وددت أن أكتب عنها بين الإنسان وظله، وأيهما يصنع القيمة للآخر، وللمناسبة هي فكرة معقدة في رأيي، لكن برعت الكاتبة في أن تدخلها بدسمها في حكايات بسيطة داخل بيئتنا المعروفة، كما يكون رغيف اللحمة حسبما وصف في قصة "في حضرة السيدة"، كيف ذلك؟ وما معنى الظل؟ لنشرح أكثر.
-- الظل الكبير "عن الجغرافيا والتاريخ والقداسة"
لمن لم يزر حي السيدة زينب إلا مرات متفرقة، لكنه يسكن في بيئة شعبية مثل حالتي لعله يفهم التشابه بين البيوت القديمة ذات الأبواب الحديدية الصدئة وما يعلق فيها من حدوة مقلوبة "في قصة بيوت للأرق بيوت للانكسار" أو رأس كبش محنط أو حتى نجمة بحر مثقوبة، ويجمعهم كذلك وطأة السعي على لقمة العيش والانصهار ككتلة واحدة في المترو كما في قصة "المسار الأبدي" وكذلك البيوت المهدمة أو القديمة التي تعاقب عليها أجيالا والشوارع الجانبية الضيقة إلى آخره من تلك التشابهات، لكن ما يجعل حي السيدة تحديدا يتفرد عن سائر تلك الأحياء المتكررة على مد البصر من القاهرة للجيزة والعكس، هما شيئين، التاريخ بصفة أن الحي متربع على القدم بآثاره وسير الماضي فيه، ويؤازره الروح والقدسية التي تحاوط مقامات الأولياء في قلوب الناس وعلى رأسها نتاج لإجلال العامة لأهل البيت "مقام السيدة زينب ومقام علي زين العابدين" وذلك رأيناه واضحا في قصتي "ضلعها المكسور" في نذر دعاء واستجارتها بمقام علي السجاد، و"السيدة زينب لا ترقد هنا" في غضبة العامة وفزعهم لهذا السور، بل والتاجئهم للحيلة ليجاوروا المقام
-ويعني من كل تلك الاستفاضة أن تاريخ المدن "وذلك في حديث الناس وليس غالبا المسطور في السير والأخبار" والأثر النابع منه في أشخاص أو رسالات ربانية فيجعل منها مدينة فريدة لها ظل وهالة تجذب الناس وتشعرهم بقيمته، وذلك في رأيي هو سر من أسرار تمسكنا بالقدس "من المسجد الأقصى لبيت لحم" .
--تشريح العلاقة الغريبة "بين الظل والإنسان
- كما يعرف أثر السير من المسير، يعرف المرء في أغلب الظن بظله، ولأن الموضوع متشعب حول البطل ونشأته والموت الذي يشكل ميلاد آخر، والمساعدة والإرشاد لطريق المغامرة وذلك يجعل من حالة الناس في المجموعة تستحق الدراسة، سنتحدث عن نقطة العلاقة فقط التي شكلت جزءا كبيرا منهم
-في أحوال عدة يمثل ذلك الظل يعلق عليها الإنسان قيمته التي نهشتها السعي والحياة، وقد تكون في نشوة عابرة كما في قصة "عري" أو متكررة في قصة "قبلة"، وقد تكون العكاز الذي يستند عليه المرء مهما كانت حالته كما في الحكمة والحكايات التي تستولي على توحة العجوز في قصة "الصاعدون إلى الله".
-وفي أحوال يلتجئ الناس للظل ليس حبا فيه، على رغم رائحته العطنة إلا أنه لا يوجد غيره للاحتماء من شمس حارقة، فتلجأ هنية وأبيها للصعيدي في قصة "في مد الظل" خوفا من مضايقات أهل الحي، وتلتجئ الفتاة لخطيبها الطامح لأن يكون سائق ميكروباص في قصة "رينجو" ورغم تحولاته فهي غالبا تراه حماية لنظرات الناس وأحاديثهم "وفي هذين أثر شمس حارقة"
- ولكن لا يقتصر الأمر على ذلك، ففقدان الظل والأثر يمثل تدميرا لذات الإنسان، وكما رأينا حالة دعاء في قصة "ضلعها المكسور" التي كسرت العادة والتقاليد غنجها وتمايلها وحولتها لرماد مفتت على حسب الوصف، أو في أم جمال التي قطع أثرها بوجود الصعيدي ولو كان "عظم في قفة" كما يقال.
وكذلك فطن بعض الأبطال لهذا، فرأت حنان في قصة "المسار الأبدي " أنها لو اقتربت من ظلها الأشقر سوف يتهاوى وتتهاوى معه، وكذلك الفتاة في قصة حنين مؤجل مع صاحبتها الثائرة، ففضلا أن يكون البين والفراق معلقا من طرفهما فلا يخسرا أنفسهما ولا يخسرا المودة.
-- كلاش
يلاحظ في بعض القصص صراع معلق بين الطبقات وبعضها، ففي قصة "في حضرة السيدة " نرى صراع السلفية والعامة حاضرا، وفي قصة "بيوت للأرق " نرى صراع الخرافة والواقع قائما رغم برودته، وفي قصة "السيدة زينب لا ترقد هنا " نرى الصراع بين العامة والمثقفين أو العلماء"، ومن هذا كله تتراص تلك الصراعات بوتيرتها المتصاعدة إلى الهادئة، لتكون أمامنا حركة لتلك الظلال في عالم وزمن لا يعرف سوى الجلبة المحمومة.