#ريفيوهات
"حروب فاتنة......تكتيكات ومسافات"
من المعروف والبديهي لكل مجموعة قصصية أن يكون عنوانها إما قصة متصدرة وفريدة عن البقية وفق وجهة نظر الكاتب "كبيت الشيخ حنا لمينا هاني أو مثل الأفلام الساذجة لنورا ناجي" وإما تعبر عن الحالة المشتركة للقصص وذلك أكثر في المتواليات "كمأوى الغياب لمنصورة عز الدين" أو تمتزج بين الفكرتين لنرى قصة فريدة تدور حولها باقي القصص لتعبر عن فكر مشتركة وحالة واحدة، ومنها قصتنا التي تصلح كحرب لها تكتيك خاص وتظهر صراعات على مسافات مرنة، بل وتحليها الفتنة بصور متعددة.
-- مقامات معلومة على وتر لدن
- يبدأ تصورنا لتلك الحرب بمثلث، نوضح بأن لو لاحظنا في قصص المجموعة وبالتحديد في قصص "دراجة تعيد رفيق الحزب القديم" و "الغرف المنسية" و"ليلة العقرب" يذكر الكاتب كلمة المسافات دون مواربة سواء بين مفتش مكتب الاتصالات والموظف أو الزوجة والناظر أو الرفيق "تو" ومونيكا، نجد أن قوام الرواية يعتمد على قول جبريل عليه السلام "وما منا إلا وله مقام معلوم" وإذا قسناه على المجموعة نجد أن كل هذه الشخصيات مقامها معروف لدى بعضها تصنعه أو يحاط بها بهالة، ففي قصة "إشارات حمراء" نرى ارتعاب بطل القصة من زوينة وعائلتها، وكذلك المفتش الذي صنع هيبة أمام مساعده، إلى آخره من شخصيات.
- ونتيجة ذلك، ونتيجة لعوامل أخرى محفزة لأحدهما من وسواسات أو أهواء، يحاول الطرف المشبع بالتقارب مع الآخر، يمد نفسه كوتر يختلف بشكله إما لدن كعلكة كالناظر في قصة "ليلة العقرب" أو هين العنكبوت كرئيس التحرير السابق لزوجته وللبقية في قصة ضحكات التماسيح أو غليظ كحبل كالعميد في قصة حروب فاتنة، المهم أنه يمده من مقامه ويسعى جاهدا لكسر تلك المسافة.
- تتفاوت نجاحات تلك المناورة، إذ أنها تنجح دائما في إحداث خلل وإرباك للآخر "كالزوجة في قصة ليلة العقرب أو الجندي في قصة حروب فاتنة"، لكنها لا تزال تحافظ على المسافة كما هي، فربما مثلا في قصة الغرفة المنسية أن يظل المفتش صارما مثلما كان رغم وجود رغدة ويظل المساعد مرتعبا رغم أنه من بعثها، وهذا ما يجعل الراوي في قصة العرض الأخير حذرا في أن تموت معروضته أو يصاب بأذى من مجرد جمادات، وذلك ما يجعل الحسرة تذوي في قلب الرفيق تو جراء موت رفيقته بعد أن تحايلا على تلك المسافات.
-- تعاكسات
"فإن النار بالعودين تزكى ....وإن الحرب مبدؤها الكلام"
من نافذة نصر بن سيار الكناني نطل على ما يسعر تلك الحروب بين الشخصيات، نجدها رغم اتفاقها على أنها تلتحم ببعضها وتشكل عالمنا إلا أنها تتفرق بالنظر بعمق، فعلى ناحية نرى صراع بين الجيل القديم الذي يعيش بمبادئ جمال عبد الناصر ويتمسك بأي شيء منه والذي يرى أن مراقبة التوترات واجب مقدس، والجديد الذي مل من كل ذلك ويحاول مواكبة عصره والترويح عن نفسه- إن لم يكن شغلها إذا عجز عن المواكبة- بما يسمى التريند، ومن ناحية صراع بين الواقعية والتخيل والحلم كما في قصة النوم مع فتاة مودلياني، ومن ناحية أخرى الصراع الأكبر بين الرغبة والأطر الأخلاقية كما في قصة العرض الأخير
- ومن الواضح بين بيت نصر بن سيار وبين القصص، تشابه التمثيل بينهما فالعودين أو الكلام ربما يعودا على جملة "دي من عصر الديناصورات" التي قيلت للمفتش في قصة الغرف المنسية، أو نداء المأمور "اعملوا اللي انتوا عاوزينه" في قصة العرض الأخير، أو موكب السلطان في إشارات حمراء، كلهم يزكون نارا ويبدءون حربا لولاها ما كانت الدنيا.
-- الطرف المراقب
ومما نسمعه عن الحروب عن وجود المراقبين، نرى في قصص عديدة وجود رموز تمثل الرقابة الكافية والتي بدلا من تهدئ الأمور تزيد من إشعالها كصورة هناء في قصة "دراجة تعيد رفيق الحزب القديم" ، ولعلها في نفس الوقت تسعى ببث بعض الشعور، كالندم في صورة الزعيم في قصة الغرف المنسية، أو الرعب في صورة الغزالة والوتر في قصة العرض الأخير، أو التشويق والحماسة في الكاميرات والجمهور في قصة العرض الأخير، باختصار بأن المراقب أهميته عالية جدا، ويظهر ذلك للأم التي تخبئ هاتفها في الميكروويف في قصة معزة جوركي، ولولاه كذلك لما استمر الصراع كما قال المفتش "نأكل من إرث عبد الناصر" ولما وجدت المعزة راعيها بطريقة طريفة، ولولاه كذلك ما جاءت العلاقات الحميمية بوصف الإنصهار "رغم موقفي منها"
--ملاحظات
- هناك تشابه بين شخصية أحمد سبع الليل في فيلم البريء وبلاهة الجندي وتفانيه في قصة "حروب فاتنة"، فضلا عن تشابه العميد بشخصية عثمان الفقي في رواية جنازة السيدة البيضاء للكاتب عادل عصمت، وفي ذلك شيء أعجبني جدا
- لم يعجبني في بعض الأحيان كثرة السرد من جانبي الشخصي المفضل للحوار، لكن في أحيان أخرى معجب ببساطته وطرافة أسلوبه