.
تمزج الرواية بين زمن الأديب العربي الكبير أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ وعصر الكاتب المعاصر الذي يوصف في الرواية بـ"القروي"، يحكي الكاتب عن شخصية الجاحظ ويتناول كذلك الخليل بن أحمد الفراهيدي وإبراهيم النظّام وابن المديني وابن حنبل وغيرهم من المعاصرين لبطل الرواية.
.
ويبدو من الرواية أن الكاتب يحاول استدعاء شخصية تاريخية ليخوض بها غمار معاركه الحديثة في سبيل اللغة العربية ومكانتها السامية، ويضع القارئ في زمن ثراء وتنوع وانفتاح النقاشات العربية التي دارت بين الفرق الإسلامية في زمن رخاء الدولة العباسية ونشاط حركة الترجمة فيها، ومع ذلك يفوته أن فرض المعتزلة آراءهم بالقوة.
.
ومع تداخل زمني الرواية يمتزج الخيال بالواقع، فالرواية التي تستند لقصة واقعية هي سيرة الفصيح اللاذع الساخر الجاحظ، تتشابه فيها جوانب من زمان القروي والحدقي اللذين يعانيان في سبيل الحب والوصول للمعشوقة، رغم أنه يفصل بينهما أكثر من 1200 عام.
.
وتبدأ قصة الجاحظ في الرواية برحيل أديب كبير آخر هو الشاعر بشار بن برد الذي قتل بتهمة الزندقة، وكان الجاحظ حينها طفلاً في سني عمره الأولى، واشتهر بعينيه الجاحظتين الواسعتين اللتين تدوران بسرعة متأملتان كل التفاصيل، قبل أن تزدهر الرواية بحوارات تكشف عن آراء الجاحظ في الأدب والسياسة والمجتمع والأخلاق والنساء.
.
ويستمر السرد في الرواية بعد ذلك ليتناول البصرة ومساجدها وطلاب العلم فيها ودرب الوراقين والكتب المتناثرة على جوانبه، ويمزج الكاتب التفاصيل والأحداث التاريخية التي دارت في زمن الجاحظ بطريقة مشوقة، متناولاً كذلك مجال الخلفاء وحياة بغداد وبلاط الخليفة المأمون، وحتى مجالس الشرب والسمر والغناء وبيت الحكمة وخبايا السياسة والسجون.
.
وفي العاصمة العباسية يصبح اسم الجاحظ معروفاً بعد أن تشتهر كتاباته الأدبية وأسلوبه الأدبي المميز بانتشار "الحيوان" و"البيان والتبيين" ورسائله الشهيرة كالبخلاء والبرصان والعرجان والمحاسن والأضداد، وعرفت بغداد بمختبرها للترجمة الذي استدعي له مهرة النساخ وعلماء اللغات.
.
وجمعت رسائل الجاحظ الأدبية بين موسوعيته ومنهجه في البحث العلمي والعقلاني، بما فيه الشك والنقد والاستقراء، وبين الصيغة الأدبية الجمالية الطريفة، وحفظت رسائله نوادر شعرية لم ترد في مصادر أخرى.
.