هي، تخرج عن صمتها معلنة عن معاناتها!
بدأت الكاتبة بإهداء المجموعة القصصية التي تحوي عشر قصص بإليهن... كلهن.
صوت النساء الذي يعلو بأنات تعلن عن مدى معاناتهن، سقطاتهن، مخاوفهن، وأخيرًا صراعاتهن مع ذواتهن ومع البيئة المحيطة بهم.
في أغلب القصص كان الصوت الأنثوي هو البطل، وفي إحدى قصص المجموعة كان صوت الجماد هو البطل، حتى الهواء كان له صوت!
اتسمت معظم القصص بكونها حية من الواقع، مُعاشة بتفاصيلها الدقيقة.
بدأت الكاتبة مجموعتها القصصية بقصة تحمل العنوان ذاته ( كبوة) وبطلتها بسمة التي ظلت تصارع إحساسها بالوحدة المقيت وسقوطها في براثن مشاعر قد حركتها وسرت في عروقها لتصارع من جديد للحفاظ على نقاءها من الخطيئة حتى وإن كانت مجرد مشاعر!
وفي قصتها ( بين عالمين ) طارت بنا إلى لندن لنتعرف على مريم الفتاة الجزائرية التي عاشت في مدينة الضباب بتقاليد بلدها ومبادئه، لتصطدم حال ارتباطها بمايك اللندني اللاديني في الأساس بتضارب واختلاف في الثقافات مقرون بنظرة دونية للعرب من قبل أمه، وفرحتها الغامرة بتحوله للأسلام بدون استناد مقنع يجعل من مجاهرته به أمرًا هشًا، فسرعان ما وجدت نفسها حبيسة بين عالمين حرفيًا، لا فقط مجازًا.
وفي قصتها (كعوب مشققة ) التي أحببتها بالفعل، فلا أمر في هذا الكون الدقيق يتم مصادفة!
لولا ما لقي بدر حتفه واضطرت عبير للعودة إلى برلين بعد ما اختبرته وعاشته بنفسها مع تجاربها المخيفة مع الجليسات لمراعاة أمها المُقعدة، لما عاشت زهرة الحياة التي لم تكن حتى تتطلع إليها في أحلامها.
أما في قصتها ( رحمة) فهي أحد ملائكة الرحمة، تعمل كممرضة في مستشفى الصدر الذي تحول لمستشفى عزل أثناء تفشي جائحة الكورونا، وأصبحت ممرضة رعاية مركزة بها، تصارع فيروس غير مرئي بالعين المجردة، تناضل من أجل الآخرين في مساهمة منها لإبقائهم على الحياة لكن في ظل سقوط ضحايا من طاقم الأطباء والتمريض إثر العدوى، تزايدت الضغوط على القائمون بالعمل فسقطت رحمة تلتمس الرحمة.
وفي قصتها الخامسة ( تحرش) لا يملكك سوى التعاطف مع منى والتقزز من رئيسها في العمل الذي لا يكف أذاه ونظراته الوقحة.
وفي قصة (حسيبة) والتي أيضًا وجدتها من مُفضلاتي، كم من خيبات شعرت بها تلك المسكينة وكم من كبوات مرت بها لتقوم من جديد مع ما بقي منها وكان أشقها على النفس إهانة شقيقها لها.
وفي ( بئر ناضبة) صوت زينب أمام مرآتها في أزمة منتصف العمر بعد تقديم نفسها كقرابين عن طيب خاطر لمن لا يستحق، هل وصل بنا الحال للتمني بأن يا ليتنا شاشة بلاي ستيشن أو محمول!!
يا ليتها كانت شاشة بلاي ستيشن أو محمول كي يفتقداها ويتفقداها!
وفي قصتها الثامنة ( وفي العزلة حياة) تناولت الحياة بعد العودة من حالة السبات المجتمعي والتعود على الإجراءات الاحترازية والعودة من جديد لسوق العمل بكامل القوة البشرية وترك البيوت بعد أن لازموها بما كانت تؤمن لهم من حماية.
ماذا أن يشعر الجماد بالوحدة بعد مساكنة أصحابه في شهور العزلة وإيثار البقاء في كنف جدران المنزل وحمايتها والونس والمشاركة التي بدأت في الظهور وكأن ساكنو المنزل يتعارفون من جديد؛ فامتلأ البيت صخبًا ووهجًا، ليس منزلهم فقط على وجه الخصوص بل كذلك جميع البيوت التي استمتعت بالهدنة الإجبارية من التزامات الحياة الطاحنة.
وفي القصة القبل الأخيرة ( زوجة تواعد رجلًا) ! يوم واحد كل شهر كان مبلغ طموحها في العيش كامرأة.
وفي القصة الأخيرة ( نكهة الماضي ) حيث التأمل في حال العباد والبيوت وقاطنوها، وتغير فطرتنا والتزاماتنا.
مجموعة قصصية من ١٤٤ صفحة، ضمت بين دفتيها عشر قصص كُتبت بفصحى سليمة وأسلوب ادبي بليغ.
من أكثر القصص التي أعجبتني: كبوة، بين عالمين، كعوب مشققة، حسيبة، بئر ناضبة
ومن الاقتباسات التي لمستني:
❞ ما فائدة الإيمان بأوامر الله ونواهيه إنْ لم يتمّ تطبيقها في لحظةٍ حالكة السّواد كهذه؟! يتشدّق الناس بالتقوى ليلَ نهار، لكنْ هل حدث وأنْ طبقوها في لحظةٍ ضعفتْ فيها النفس، ورغبتْ في كسرِ حاجز وحدٍّ من حدود الله؛ كبر أم صغر ؟
لا فرق في حجم المعصية، فالمعصية هي المعصية. ❝
❞ جهاد نفسٍ أصعبُ وأعتى من كلّ ما يتشدق به المتشدّقون من عباداتٍ وطاعات. فوالله لمائةُ ركعة في اليوم أسهلُ وأهْون من لحظة جهادِ نفسٍ وتقوى حقيقيّة مررتِ بها ❝
❞ الشعرُ الأبيض أو تجاعيد الوجه زينة تعني أنّ هذا الشخص قد قامَ بعمله على أكمل وجْه في الماضي، ❝
❞ فما السعادة في بيت كبيرٍ أجلس فيه وحيدة، لا أجد مَن أتحدث إليه؟ ما السّعادة في بطاقة ائتمان تشتري كلّ شيء، لكن لا تشتري أهمّ شيء؛ وهو الونس والدفء؟ ❝
❞ نزوةٌ عابرة لا نملك إلّا الانحناء لها حتى تمرّ في سلام دونَ أن تطيح برؤوسنا ❝
❞ كلّما انخفض سقف التوقعات كلما زادت السّعادة.. ❝
❞ تجمع الأسرة حولَ صنف طعام واحد وجوه مبتسمة خير من عشرات الأطباق المتراصة أمام أفراد انشغل كلّ منهم بتصفّح هاتفه بمعزلٍ عن الآخرين. ❝
❞ نحنُ فقراء، ولكن لن نكون تعساء! لم نخترِ الفقر، لكنْ حتمًا لن نختار التعاسة. ❝
كبوة، للكاتبة هبة هنداوي