"ربنا ما يحوجني لا لبنتا ولا لولدا"
كانت جدتي تقول هذه الكلمات دونما سبب، من غير أن يغضبها أحد أبنائها أو يمتنع عن تحقيق رغبتها، كانت تدعو لنفسها بهذه الكلمات، ألا تحتاج لأحد، حتى أولادها..
كانت أمي تخبرني أنها كانت تحزن عند سماعها هذا الدعاء من أمها، تشعر بأن والدتها لا تثق بقدرتهم على رعايتها، لكنها عندما كبرت فهمت، وأنا عندما كبرت فهمت أيضا، أعظم ما قد يحدث لبشر في الدنيا، ألا يحتاج لأحد غير خالقه..
هذه الأفكار راودتني وأنا أقرأ رواية "التحول" أو "المسخ"
الرواية باختصار تحكي عن شاب تحول بشكل مفاجئ لمسخ حشري، الشاب كان عائلا لعائلته ملتزما مستقيما مجتهدا في عمله، وكيف تحولت مشاعر عائلته تجاهه بعد تحوله لدرجة التكذيب والإنكار بأن هذا المسخ هو ابنهم، وارتياحهم لوفاته في النهاية..
المؤلم في القصة والمميز فيها هو خيرية الشاب و اهتمامه بعائلته، وتحوله المفاجئ غير المستحق وغير المبرر، إلى مسخ مستوحى من أكثر الأشياء المقززة للإنسان (الحشرات)..
شعرت أن الكاتب أرادك أن تتعاطف مع كل أطراف القصة، فهو بدأها من لحظة التحول دون تبريرها، حتى تكون مشاعرك على الحياد، فأنت لم تعرف بعد من هو المتحول ولماذا تحول وهل يستحق هذا التحول أم لا؟ ثم يتضح من أفكار المتحول أنه طيب القلب يهتم بعائلته فتتعاطف معه، لكنه يتحول إلى شيء شديد البشاعة يتقزز منه الجميع فتتعاطف مع عائلته وتتفهم دوافعهم و رغبتهم في الخلاص من هذا العذاب حتى وإن كان معناه الخلاص منه معه..
الفكرة المجردة التي وصلتني من الرواية هي قدرة بعض البشر على رد الجميل بأكثر منه عندما يطلب منهم، وقدرة البعض الآخر على تحمل تبدل الأوضاع وأن تكون يدهم هي السفلى بعد أن كانت هي العليا..
لم يحتمل بطل القصة أن يكون مكروها منبوذا بين أفراد عائلته محتاجا إليهم حتى وإن كان هو من رعاهم وعطف عليهم قبل فاجعته التي لم يكن له ذنب فيها فامتنع عن الطعام حتى مات، ولم تحتمل أسرته أن يعطوه أكثر بكثير مما أعطاهم بتحمل هذا التحول البشع فتمنوا موته وارتاحوا له..
قم بتخفيف كل أحداث القصة لأنها عبارة عن مبالغة خيالية، فلا يتحول شخص لحشرة في الحقيقة، لكن أيضا لا يوجد شخص بملائكية البطل، ومعظم الناس لا تتمنى الشر لأحبابهم ولكن قد يضيقوا بهم، فتفهم دعاء جدتي ودعاء أمي ودعائي من بعدهما، ودعاء نبي الرحمة من قبلنا (واغنني بفضلك عمن سواك)..
#أمنية_طائرالرخ