أحب جدًا هذه اللحظة، وأبقى ممتنًا لها لفترة طويلة،
تلك اللحظة التي تتماس فيها كتابة جميلة وصادقة ترصد موقفًا غريبًا بعيدًا عني، مع ذكريات ومواقف تستدعي الكتابة خاصة بي، وتجعلني طوال القراءة أردد مقولة ماركيز التي لا أنساها (إن حياة المرء ليست ما يعيشه، ولكن ما يتذكره، وكيف يتذكره ليرويه) ..
هكذا يأخذنا حسام فخر عبر حكاياته والتقاطاته القصيرة الموجزة إلى مواقف مختلفة من حياته شديدة الثراء والجاذبية، وربما يكون محظوظًا مرتين، للصدفة والمواعيد (كما يذكر في القصة التي يقدم بها المجموعة) لكونه هذا الرجل الذي حالفه الحظ بالاقتراب من عدد من نجوم المجتمع بل ورؤساء الدول، ومقابلة أشخاص مميزين من بيئات وثقافات مختلفة، ثم تمكن بقلمه الرشيق وأسلوبه الجميل أن يرصد ويوثق لنا عددًا من هذه اللقاءات في هذه الحكايات والقصص ..
أتوقف عند عدد من القصص التي تحمل الشجن والطرافة في آنٍ معًا، ماذا يفعل الطفل الصغير الذي لا يهوى العرائس (مع نانسي) .. ثم ما الذي يجعله يختبئ فجأة في (محل البقالة) .. وكيف يساعد رجلاً لا يعرفه تلك المساعدة الخيالية، وأتوقف عند الأشخاص المميزين الذين يقابلهم مرة في تيه الصحراء .. ومرة أخرى في مطعم فاخر على ضفاف اللازرود .. كيف يرثي حال مصر كلها في أكثر من قصة بالتقاطاتِ ذكية في (على سلم السفارة) و (مبنى ماسبيرو) ..
في حواره مع أسامة فاروق بأخبار الأدب يقول:
(( أكرمتنى الحياة بتجربة عريضة شديدة الاتساع. سافرت إلى بلاد عديدة، صادقت أشخاصاً من كل الجنسيات، وجالست ملوكاً ورؤساء دول وتعرفت على بعضٍ من أكبر مثقفى العالم وأدبائه، وقضيت لحظات إنسانية بالغة الثراء مع غرباء قابلتهم بالصدفة، ومع أناس من أفقر الطبقات وأدناها مرتبة على السلم الاجتماعى.
وأثبتت لى هذه التجربة أن البشر هم البشر فى كل مكان ومهما اختلفت عقائدهم وخلفياتهم، كلنا نحب ونخاف ونقلق ونحلم بنفس الطريقة وغاية ما نطمح إليه هو السكينة والسلام والاطمئنان على من نحبهم. واقتنعت تماماً بأن واجبى فى كل ما يواجهنى من مواقف طيلة حياتى هو أن أضع نفسى مكان الشخص الآخر ولو للحظة وأن أحاول أن أفهم قبل أن أحكم))
....
سيجد القارئ _ ولاشك _ هذا كله وأكثر في قصص هذه المجموعة، مع قدر كبير من المتعة، ولعل والأكثر ثراءً بالنسبة لي بشكلٍ خاص، أنها قصص وحكايات تستدعي مواقف وحكايات أخرى في نفوسنا، وتجعلنا نفكِّر كثيرًا في أحداث وأشخاص قابلناهم ونقابلهم بشكل عابر مرة، وبشكل مقصود مرارًا، وننسى أو نتجاهل أن نوثق هذا كله ولو في سطور .. يبقى أثرها طويلاً بعد ذلك
....