الجمعية السرية للمواطنين
أشرف العشماوي
الدار المصرية اللبنانية.
تصميم الغلاف: أحمد عاطف مجاهد.
الطبعة الأولى: 2022
283صفحة.
**أبطال هذه الرواية شخصيات غير تقليدية لكننا نصادفها كل يوم ، يعيشون في المسافة الفاصلة بين الحقيقة والخيال ، ظلوا صامتين حتى فك المؤلف عقدة لسانهم ليحكوا ما أرهقهم كتمانه عبر سنوات طويلة ، ما أوجعهم وما أسعدهم ، أحلامهم التي لا تحتاج إلى تفسير وطموحاتهم التي لا تكلف الكثير . في روايته الجديدة يطرح أشرف العشماوي أسئلة مهمة حول قيمة الحقيقة وقوة تأثير الزيف على مواطنين مهمشين يحاولون الحياة ، عبر سرد شيق لبدايات مليئة بالآمال ونهايات مرتبكة ، أدت بغالبيتهم إلى عبور جسر الطموح إلى الجريمة بدافع إنساني مضطرين . وبعد ما ظن كل منهم أنه عضو بجمعية سرية لا يدري الآخرون بأمرها ، اكتشف أنه مجرد رقم في طابور طويل ينتظر دوره ليقبض نصيبه ، لكنه يدفع للآخرين في الوقت ذاته بانتظام من سنين حياته وأيام عمره دون أن يدري .**
جاء هذا الملخص القصير على غلاف الكتاب.
تحكي الرواية قصة معتوق رفاعي، الفنان التشكيلي الذي انتهى في أحد أيام عام 1976 من رسم اللوحة المعشوقة له زهرة الخشخاش، ليذهب بها و يضعها في متحف محمد محمود مختار بالزمالك، بدلاً من اللوحة الأصلية للفنان فان جوخ، التي سيقوم بسرقتها طوعاً وتنفيذا لرغبة زميله وجاره غريب أبو إسماعيل، طمعا منهما أن يجنيا أرباحاً طائلة تحقق لهما أحلامهم.
**كل شئ كان ممكنا في القاهرة منتصف السبعينيات ، الجميع جاهز لتنفيـذ الخطـة واحتمالات الفشـل شـبه معدومة ، كلمة السـر هـي الوقت ومفتـاح النجاح هو الثقة . يومها كانـوا ثلاثة ، أنهوا ارتداء الملابس الميري بشـقـة مسـتأجرة في حي بولاق ببطاقة مزورة تحمل صورة معتوق رفاعي ، تسيدت ابتسـامة ثقة ملامح معتوق عندما وقعت عينه على النجوم الثلاث الذهبية التي تلمع فوق كتفيه ، نظر لنفسـه في زهو أمـام المرآة وهو يضبط الـكـاب على رأسـه ، ثـم التفت للمعاونيـن اللذين أحضرهمـا غريب ، رفع البيريه قليلًا لأحدهما واستعدل سترة الثاني ، تنهد بعمق بعدما صار راضيا عن هيئتهما .**
غريب أبو إسماعيل وقف أمام حلم معتوق وكان حاجزا منيعا له، منعه بكل السبل من تحقيق هذا الحلم، ظل يراوغ ويراوغ ، إلى الحد الذي أصاب معتوق بالإحباط ، وشعوره بالرغبة في الإنتقام.
**الحيـاة رحـلـة طـويـلـة مـن المتاعـب ، والسعادة فواصل قصيـرة بينها ، نفحات فرح محلاة بالصبر ليستكمل المواطنون المواجهة بحلبة ملاكمة ، يرتقونهـا عندما يدق الجرس ، يتلقـون ضربات موجعة من الزمن ، يتألمون كثيرا ، يترنحون أحيانا ثم يتهاوون ببطء ، وفي النهاية يموتون خاسرين .**
تمر الأيام تتوالى الأحداث تتعقد كثيراً، ويدخل في القصة أبطال كثر لهم آلامهم وأوجاعهم، سيضعونها جميعها على طاولة الجمعية السرية للمواطنين وعلى رأسهم معتوق الرفاعي.
**.. لا توجـد سـفينة نوح .. المجتمعات الفردية التي لا تفكر إلا في نفسـها تغـرق ، وزع بصره عليهم بالتساوي وهو يصرخ فيهم واصفا إياهم بخيول خرساء ستموت من فرط صمتهـا ، لـم يتوحدوا إلا على استحياء ، دائما في اللحظات الأخيرة ، في الوقت الضائع ، وعند أول عصا يتفرقون ، ولا يفكرون إلا في أسـرع وسيلة للقفز من القارب .**
تلك الجمعية التي ربما حققت بعضا من أحلامهم، لكن من المؤكد إنها لم تغير واقعهم، هذا الواقع المرير التي تراه في كل شخصية سواءا كنت مشفقا عليها أو جلادا لها.
**كتمـان الـهـمـوم يطفئ الروح ، وأقسى لحظـات تمر على المـرء عندما لا يـجـد مـن يخبره بأنـه ليس على مايرام **
غريب ابو إسماعيل ومعتوق كالمغناطيس، كلاهما القطب السالب أو السلبي، كلا منهم جذب إليه أنصاره أو معاونيه، فريق غريب أبو إسماعيل كان السلطة والمال، وفريق معتوق المهمشين، كل فريق خصم للأخر، وكأنهما في حلبة مصارعة،مكانها عزبة الوالده، تدور بينهم مناوشات وصراعات، هدف كل فريق التخلص نهائيا من الأخر، و لولا عدالة السماء لإستمر الظلم وساد الفساد.
وسواءا كنت من المهمشين، أو أصحاب السلطة والثروة، أو من المتفرجين، سيقع على عاتقك مسؤلية التغير، تغير الواقع، ولكن احذر ربما يكون مصيرك مثل عود ثقاب محترق.
ومن هنا يأتي الألم، ألم السكوت والصمت، ومرارة الصبر لتكون كعود ثقاب في علبة الكبريت.
كلمات الكاتب (أستاذ أشرف العشماوي) في هذه الرواية قاسية جدا، مؤلمة، موجعة، ربما لأنها واقعية وحقيقية، وربما لأننا شعرنا بالمسئولية نحو هذا الواقع الذي يجب أن يتغير ، فشعرنا بهذا الألم.
الرواية رائعة جداً جداً، قصتها جميلة ومستفزة، الحبكة الدرامية في غاية الجمال، اللغة والتعبيرات ولا أروع، بليغة جداً، مؤثرة ومبكية أيضاً.
رواية مشوقة ومؤلمة، لا تفصلك عن الواقع لأنها ستغوص بك إلى أدناه.