#إعادة_صياغة_رأي
"قلب مستعمل... قميص مرن، وغولة الضباب"
يلاحظ في تلك الرواية دمجها لبعض الأحداث وطبيعة البيئات الاجتماعية "كبيروت والطوائف" أو الأحداث التاريخية "كالقضية الفل.سطينية أو شذرات من صفات الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله والتي وضعت بطريقة تساند فيها مشاعر الشخصيات وتعطي لحركتها منطقية "كسر الأب في حبه للصيد أو حكاية الخطيفة" ومن ناحية تغير -ولو بقدر - من نظرة القارئ تجاه الروابة بأنها مقتصرة على تداعي المشاعر وصراعها بين الوصل والافتراق "شيء من الرومانسية" بين بطلي الرواية "سيلين ويوسف"، بل أتى ذلك المزيج لينبئنا ببطل متخفٍ يدير تلك الحكاية.
ومن خلال تطرق الكاتبة لمفهوم التقمص عند الدروز، يجب أولا معرفة معنى "تَقمص" وهو بالبحث البسيط فعل ماضٍ يعني الانغماس وإذا التحق بها اسم شيء "قميص" معناه لبسه، ويأتي منها المحاكاة والتقليد، ليعني ذلك "بالنظر لقصة سيلين وأبيها ورمزية البحر بينهما" عبارة عن سلسلة متشابكة، منغمسة في دنياها وحياتها "ومنه انفصلت الحكاية لروايتين " تحاول من خلال نظرة شديدة الضبابية الوصول لحقيقة نفسها أو تصل على الأقل لرؤية نفسها "ومنه أتى قول سيلين لماذا يسألك أحد إن كان يراك بأم عينيه"، وبفضل منيري الطريق "والذكريات القديمة" تدرك الشخصيات بشكل ما أنها ليست مركز حكايتها "كتهكمات سيلين" أنها عبارة عن سلسلة تحاكي آخرها أولها أو تلبس معاناة وجروح وأحزان موروثة "كوخز الإبر"، ومنه تتركز الصورة على صاحب الميراث لنرى تجربته "إما غالبا واعيا، أو خدعه غروره فانغلب" وفي الحالتين تنضجه بشكل يدهش البعض "بانتقال لغة سرد سيلين من بين الفصحى واللهجة العامية، إلى الفصحى فقط في النهاية" ويترك أثرا ملغزا يحمل تأويلات عديدة للبعض الآخر .
وذلك اتفق تماما مع قول بطلة الرواية "سيلين" بأن بطل القصة هي الحكاية نفسها، فنتعرف على مزيج يتداعى ككرة الثلج يضم تأويلات تختلف بعضها عن بعض كلية، بل ولكل رواية "أو تجربة" فرضيات تشكك بها وتحاول تطويعها -تنجح غالبا- "كوجود رأفت ويحيى عند يوسف، ووجود زين ومدام ليلى وجو وكذلك يحيى عند سيلين" وبالإضافة كذلك لما ذكرناه عن الخطوط التأريخية ودراسة بسيطة للمجتمعات، لنجد الحكاية وقد اكتملت أركانها متفقة مع قول جلال الدين الرومي
"ويمكنهما أن يبصرا أشياء هائلة"، ونجد ذلك "تقريبا "بين دفتي الرواية.
--قمر خافت "عن جروح الروح"
مما نراه أيضا بالرواية عن معنى اسم سيلين ومقارنته بالشخصية، نجد صراعا ميتا، بمعنى لا يرى منه إلا انهزام دائم، واستسلام بمرارة الواقع الواقف كغول، ومحاولة تجنب رؤيته ومواجهته فينطفئ نوره "كما انطلفئت سيلين" ، ويتوارى بظلمته يسعى بها إلى راحته، لكن لا هو يدرك نفسه "عاشقة الغياب" ولا يدرك محبيه وبقايا ذكرياته "كندم سيلين لأنها كان من المفترض ان تدل أبيها على طريقه"
وذلك وظف جيدا في عرضه للطبيعة الاجتماعية الطائفية بلبنان، حيث -بالنسبة للكاتبة- تعيش الشخصيات في صراع ميت تكون الغلبة فيه للعادة، ومهما حاول أحدهم تحديه فإن الطرف الأقوى دائما يلقي بظلال أشد فيسيطر دائما ويغيب صاحب التحدي "كسفر زين وزوجته"، ويتلامس ذلك أيضا بمشهد الحاكم بأمر الله الموصوف بالظلمة والخطر، لأنه -ربما - كان موعد انطفاء الحاكم -أو اختفاؤه -بعدما استهلك قواه فيما قال
--عن توابل بيض الصبر
وبين التجربتين "الغارسة في الواقعية ليوسف، والمترنحة بين واقع ضبابي وخيال ممتد لسيلين"، ونضجهما الطويل كأكلة بيض الصبر "التي يفضلها الأب"، يلزمها توابل تعطي لكل تجربة نكهتها، تصحح مسارها مثلما ذكرنا أحيانا، أو تعطيه صفة لما يفعل أحيانا أخرى، هكذا دون زيادة أو نقصان، ومنه تأتي شخصيات مدام ليلى والممرضة ويحيى هزلية دائما، ولا تفرض صراعها الخاص كذلك، وإن لزم فيكون صراعا محددا كحدث يكمل التجربة الخاصة بالشخصيات "كأزمة زين أو وجود ريم" وهنا تستقيم الشخصيات كطبخة أصيلة
الخلاصة: رغم انزعاجي من طول العمل "بعرض تفاصيل سيلين أكثر من اللازم في رأيي، إلا أن أفكاره وقضاياه المطروحة تجعلني منجذبا للعمل محاولا قراءته مرة ثانية