أن أكمل كتابا مترجما حتى النهاية، ضربا من ضروب المحال؛ و المترجم في يقيني رجل يحمل فرشاة سوداء يشوه بها جمال النص الذي يترجمه إلا لو كان مثل مصطفى عبيد. و الترجمة للعربية بصفة خاصة تحدي كبير للمترجم لأننا عرب أهل فصاحة و بيان و تجهل عقولنا فهم الكلمات المتكومة كأنها (مقلب طوب).
هذا الكتاب أكبر من أن يختصر في مراجعة من عدة سطور لذلك سأسلك طريقا آخر و سأسلط الضوء فقط على المترجم و على شخصية الكاتب الأصلي للنص "السير توماس راسل"
أولا : مصطفى عبيد
على عكس كل المترجمين العرب الذين رغما عنهم يسقطون الكثير من التفاصيل المهمة سهوا من متن الكتاب المراد ترجمته أو يسيئون فهم عبارات كثيرة تحيد بهم عن فكرة الكاتب و من وجهة نظري فاقت ترجمة هذا الكتاب بالذات توقعاتي لأن مصطفى عبيد أمسك الفرشاة أيضا لكن بألوان زاهية غير اللون الأسود و أعاد ترميم الحكاية مرة أخرى و أضاف للنص ما يبرزه و يوضحه لا ما يغير معالمه.
ليست المرة الأولى التي نلتقي فيها أنا و الأستاذ مصطفى كان اللقاء الأول بيننا على ضفاف كتابه الهائج بالمواضيع الساخنة "ضد التاريخ" آتاني سابحا عكس التيار ليصفعني على وجهي حتى أصحو من غفلتي و علمني أن أعد أصابع يدي كلما أنتهيت من قراءة أي كتاب تاريخ.
ثانيا :توماس راسل
موظف أجنبي جاء بلادنا شابا و التحق بالبوليس و تدرج حتى وصل إلى قمة بوليس القاهرة حيث شغل منصب حكمدار العاصمة ما يعادل مدير أمن القاهرة الآن.
توماس راسل لم يكن مجرد رجل بوليس عادي كان يمتلك موهبة إن وهبت لرجل الأمن جرت المعجزات على يديه
كان يمتلك موهبة الذكاء العاطفي
رغم أنه محتل جاء أرضنا ليتحكم فينا بقوة السلاح و الحديد إلا أنه استطاع أن يذوب بيننا كما يتوارى السكر في كوب الشاي و استطاع أن يكون صدقات مع كل طبقات المجتمع مع وزراء و أمراء و فلاحين و بدو و مجرمين أيضاً
و الدليل لما قامت ثورة ١٩١٩ و تم نفي الزعيم الراحل سعد زغلول باشا قامت الدنيا في مصر و لم تقعد و امتلئ قطارا برجال مهمين في مصر كانوا في الأصل وزراء سابقين النحاس باشا و محمد محمود باشا كانوا محتجين في القطار و رفضوا اخلاء القطار إلا أن توماس راسل بذكاء و دهاء شديد استطاع أن يقنعهم و ينشد صداقتهم القديمة معه و نجح في اقناعهم باخلاء القطار.
ثالثا: سؤال
ورد كلمة احتلال بريطاني لمصر و الهند في أكثر من موضع على لسان الراوي توماس راسل... هل كلمة احتلال ترجمة حرفية أم تصحيح مفاهيم راي المترجم أنه لابد منه؟
ماذا لو أطلعتم على كم الدروس المستفادة التي خلصت بها من هذا الكتاب؟... كثيرة جداً
و مع ذلك لدي إلحاح شديد أن أعيد قراءة هذا الكتاب مرتين فيما بعد.
شكرا أستاذ مصطفى على هذا الكتاب الممتاز