كلاكيت تاني مرة ما تجمل ان تعيش حالة ممتعة بسيطة مريحة جدا مع كاتب زي احمد عبد المجيد بعد ترنيمة سلام وهي سلام.. اذكر ان رواية ترنيمة سلام كانت من احب ما قرأت واكثر رواية رشحتها لغيري بسبب توقيت قرائتي لها وما اضافته لي من سلام وتعايش مع ظروف كانت صعبة جدا في وقتها وهنا نحن نعيد التجربة الجميلة مع نفس الكاتب وربما في نفس الظروف.
كتاب اشبه بالحلم أو الرؤية حاله من الخروج خارج الزمكان في حضرة الكتاب انت تجلس مع نفسك وكأنك اخذت كرسيا وجلست تنظر للبحر وليس بصحبتك إلا نفسك ومشروبك المفضل تحكي لنفسك في زمن آخر او تري جدك او الشخص الحكيم بجوارك تبثه وجعك فيعيده له بلسما شافيا.
الكتاب علي صِغره وقلة عدد صفحاته وفقراته أيضا إلا انه ربما تكون هذه إرادة الكاتب ألا يُملي عليك ما تفعل كمعلم أو خبير لكن المقصد هو أن يفتح لك باب التفكير والتدبر والبحث عن ذاتك بطريقتك وليس كما يريد هو،يساعدك علي كسر الحاجز بينك وبينك ايضا لكن هنا انت الآخر هو "الأنا" وليست انت الاصلية ومن خلال الكتاب ستتعرف إلي نفسك الحقيقية وربما اعطاك بعد الحيل كي تقابلها.
النصائح علي لسان المعلم الروحاني ليست بصيغة التنيمة البشرية او عشرون نصيحة لتصبح افضل،الامر هنا مختلف تماما انت فقط تأخذ منه طرف الخيط وتشكل تابلوهك الخاص فبعد كل فقرة اوصفحة ستتوقف ربما لدقائق او ساعات علي حسب بُعدك عن نفسك لتري أين انت الآن؟ وماهي مسافة بُعدك عنك ؟ وستفكر في "هُم" وما حولك من اشخاص وجمادات ونباتات وتراجع نفسك بشكل هادئ سهل مريح راضي حتي ان زاويتك ربما تختلف تماما بعد ان تصل لنصف الصفحات.
التقسيم التصاعدي بين ابواب الكتاب او بين محطات البحث عن الذات موفق جدا لانه يرتقي معك مرحلة مرحلة ويتوقف معك في كل محطة حتي تَعِي وتدرك ما انت وماذا وتريد في هذه الرحلة الامر علي بساطته صعب سواء بالتجربة او بالتأمل لكن أعدك هذه الرحلة ستعود منها شخصاً آخر تماما.
كعادة كتابات عبدالمجيد انت تشعر بالسلام او الهدوء بين السطور مهما كان الصخب داخلك او حولك وهذا يتجلي في هذا الكتاب بكل سهولة انت ففكرة ان من يلقنك الدرس شخص غريب وكبير بالسن منحته طيبة ما وقُرب ودود جدا انت لا تعرفه ولا تعرف هيئته ولا ذكرها هو كل مافي الامر انه يساعدك وينير لك الافق بإبتسامته تارة وبهدؤه تارة وبهدهدته روحك تارة أخري إلا انك تستمع بل تنصت وعينيك تلمع وفمك لا يكف عن الابتسام طالما خطوت عند أول سطر.
الكثير من الاقتباسات ستكتبها او تحتفظ بها ليس لانها معدة أدبيا بشكل جميل وهذا مفروغ منه لكن هنا الوضع مختلف فكل اقتباس - من وجهة نظري - يصح أن تضعه في برواز اعلي مكتبك حتي تعيش به وتتذكره اغلب الوقت لا ان ينام مع إخوته في مذكرة الاقتباسات.. الكلمات هنا حية تعيش بها ومعها وهذا مقصد القراءة وإن كانت في بعض الاوقات مهرباً إلا انها هنا إعادة محببة للحياة.
يرد المعلم عن فكرة اعتبار الافكار والتأملات او الحياة بهذا الشكل البسيط درب من السذاجة ويصحح افكاره بشكل سوي فقط يضع النقاط فوق الحروف يفتح الابواب المغلقة ينير داخل عقلك وقلبك غرفاً اهلكها ظلام المعاناة وملأها غبار الحزن والالم لكنه ينفض عنك كل ذلك ببعض المواساة ليس فقط للطمأنة لكن لكسب الثقة وبعث دافع علي الاستمرار بيقين وقوة.
اعجبتني فكرة مكان اللقاء جدا في وسط الناس داخل الشوارع وفكرة الحافلة التي تمتلأ بالعابرون في سلام مرة وفي شجار مرات الجلسة في المحطة هي جل فكرة الكتاب هي تطبيق عملي حي علي كل حرف وسطر.. هو يقتبس من ما يراه والمعلم يصحح رؤيته والاثنان جلوس في محطة من المحطات يعيدوا ترتيب شعث قلبك وما يعلق به من ما يمر عليك بكل محطة.
فائدة الصمت وقيمة احترام انتهاء الحدث عن الحد المطلوب ومنح الكاتب فرصة لك كي تأخذ دورك من التفكير وفتح زاوية شوفك معه هي مبادرة جميلة جدا تضعك في الصورة وتضع لك كرسي بجانبهم كي تعايش معهم الحدث،من خلال حالتك معه عندما يصمت محرجا او متأملا او مبتسما فكل مرة تري نفسك علي حالته من خلال تعاطيك مع كلام المعلم وتضبط نفسك علي حالة الكاتب كأن الكلام موجه لك ليس له وحدة هي لفتة احببتها وقربتني من الرواية واظن انها مقصد الكاتب من الرواية في الاصل ان تحضر انت الاصلية ليس "الأنا" كي تراقب الحدث عن كثب وتعيشه.
الروحانيات والترقي بكل هدوء وبساطة من خلال دمجها مع الشرح المبسط الغير مخل سواء للتعاليم الربانية او لفكرة آية او حديث لكن بشكل سهل وغير صريح هي ببساطة مهارة ليست سهلة حين تصيغ ما تريد دون ان تسقط في شرك الإملاء او التلقين للقارئ هي قدرة وجب "الامتنان" لوجودها لدي الكاتب وشكره عليها.
وفي النهاية يتقدم انا الحقيقي بكل محبة وامتنان للكاتب عن جودة ما كتبه عن "هم" وابعث له من داخل الديمومة بكل تسليم اسمي آيات المحبة للحياة. 🤝