عندما تصفّحت هذا الكتاب أول مرة وأنا في المكتبة شعرت أنني أوشك أن أقتني كنزاً، وعندما حملته معي إلى البيت وبدأت أقرأه مع الشاي الأكرك الذي أحبّ تيقّنت ممّا ظننته آنفاً، أنا فعلاً وقعتُ على كنزٍ عظيم.
واظب أدهم شرقاوي- لا أضاعَ اللهُ له تعباً – على كتابةِ عمودٍ في صحيفة الوطن القطريّة مرّةً كل ثلاثة أيام، وكان ذلك أواخر عام ٢٠١٧؛ وحتى أواخر العام التالي بلغ عدد مقالاته المنشورة حوالي ١٥٠ مقالاً، فلمّ شتاتها في كتابٍ واحدٍ، وطار صيته في الآفاق، حتى وصل إليّ ورأيتُ أن أوجز لكم محتواه في البنود التالية:
يُلاحظ القارئ أن أسلوب الكاتب في جميع مقالاته واحدٌ لا يحيد عنه، فهو يستهلّ مقاله بقصّةٍ ذات عِظة يأتينا بها من كتب المأثور العربي، أو مواقع الإنترنت، أو ممّا سمعه من حكايا الجدّات، أو أقاصيص العوام من النّاس، ثمّ يعلّق عليها مُسقِطاً أحداثها على واقعنا الحالي، معرّياً سلبيات المجتمع العربي، ومعزّزاً إيجابياته بتناول مكارم الأخلاق والفضائل التي بدأت تضمر في خضمّ التغيرات الكبيرة التي عصفت في حياتنا ومعايشنا.
يحوي الكتاب ألواناً شتّى من المواضيعَ المتفرقة التي تلامس حياة الفرد والمجتمع، وطبيعة الكتاب تتيح لك أن تقرأ مقالاً أو اثنين في اليوم ما يجعله خفيف المؤونة تفرغ منه بأيامٍ معدودةٍ دون أن يهدر من وقتك أو يستهلك من جسدك سَهَراً طويلاً شأن الروايات الثقال التي تغوص في أحداثها وشخصياتها وأنت تقلّب في صفحاتها وأباريقَ ملأى من الشاي المُخمّر تأتيك وترحل عنك.
يُدهشُك أدهم شرقاوي بطريقة استنباطه للحكمة، فكثيراً ما نمُرّ على قصصٍ تشبه ما يسرد لنا في كتابه ولا يُتاح للقارئ العادي أن يجد فيها حكمةً تُحكى أو عظةً تُروى، لكنّه بعمق نظرته، وأصالة فكره، ونقاء ذهنه يأتيك بالدرس المُستفاد من القصة من حيث لم تنتبه، ثم يُشير إليها بالبنان جاعلاً منها قاعدةً يحتفي بها المجتمع، وإمامةً يقتدي بها الناس فضلاً عن الجيل الناشئ.
فحوى الكلام: لاينبغي لمثل هذا الكتاب أن يمرّ مرور الكرام، فهو تحفةٌ بالغة إلى كونه كتابٌ مُسَلٍّ ويناسب كل شرائح المجتمع، ويحقّ له أن يُهدى لأولئك الذين لم يقرؤوا كتاباً في حياتهم، لأنه لابدّ أن يكون بداية تعلقهم بالمطالعة وعشق الكتب، لما سيجدون فيه من متعةٍ وفائدةٍ في آن.
نشرت الكتاب دار كلمات الكويتية، ويقع في 390 صفحة من القطع المتوسط، ويُلاحظ القارئ المتمكّن مهارة الكاتب أو المحرر في تحديد مواطن علامات الترقيم بين جُمَلِ الكتاب وكلماته، بعدما كدّت أن أفقد الأمل في أن أجد من يتقن حُسن الترقيم وتقطيع العبارات.