"ما إن تعلمت أحرفي الأولى، حتى شعرت بحاجة ملحة -ورُبما فسيولوجية- إلى القراءة. أعني قراءة أي شيء وكل شيء تطوله يدي. القراءة... القراءة كمجنون. تكاثفت هذه الحاجة، حين بدأت أكتب، وتحولت إلى عادة تُشبه العوز كانت تدفعني لأخذ من الشارع أي ورقة مطبوعة مُلقاة في مهب الريح، لأجلس وأقرأها أرضاً."
رواية "العصامي" هي تجربتي الثانية مع الكاتب التشيلي "إيرنان ريبيرا لتيلير" صاحب الرواية الأكثر شهرة "راوية الأفلام" من ترجمة "صالح علماني" رحمه الله، وتشهد هذه الرواية بشكلاً ما فتاة "راوية الأفلام" تتذكرها؟ دع المفاجأة فقط تُدهشك عندما تعرف علاقتها بالأحداث.
رواية "العصامي"، تتناول ثلاث شخصيات، بأحلام مُختلفة، وأفكار مُختلفة، داخل مستوطنة الملح، ذلك العالم الغريب علينا، بقواعده، كيف لكاتب/شاعر مُرهف الحس أن يتواجد هناك، ووجود المُلاكم الجذاب أيضاً الذي أحبه الجميع، و"ليدا"، الشخصية المُعقدة صاحبة الجمال المُدهش، الذي يجعل الجميع يلهث وراءها كالكلاب الضالة حين تشم رائحة لحم بعيدة المدى.
قد تظن أن هذه الرواية تدور حول مُثلث حُب تقليدي، الشاعر الخجول الذي لا يستطيع أن يُصارح الفتاة الجميلة بُحبه، فيأتي الجذاب مفتول العضلات لكي يخطف حبيبته على الرغم أنه يعرف أن الشاعر صديقه مُعجب بها، والفتاة جميلة الجسد، باهتة العقل، التي تنجذب إلى مفتول العضلات بدلاً من مفتول الكلمات. ولكن، الرواية أعمق من ذلك أو على الأقل ستقدم لك وجهة نظر جديدة وبُعد بديع لمثلثات الحُب من تلك النوع.
يُجسد "إيرنان" الكاتب/ الشاعر بواقعية وسخرية لاذعة حين يجعل المُهتم بالقراءة ودودة الكتب، لا يحصل على محبوبته، لأنه خجول اجتماعياً، لا يستطيع تنفيذ ما يقرأه في الكُتب، ويعيش أحلام وردية، لا واقعية، فيرتطم بسوداوية الحياة، ويترك حبيبته دون أن يقوم بأي رد فعل غير رد الفعل الكلاسيكي والتقليدي، الإنعزال على نفسه، والبكاء، على روحه، وقلبه المُرهف الذي رزقه به الله. وإمعاناً في ذُل المحبوب، حتى بعد أن تُتاح له الفُرصة، ترفضه حبيبته، وكأن العلاقة بين أن تكون قارئاً/كاتباً، وأن تحصل على محبوبتك أو ما تُريده هي علاقة عكسية، مؤلمة لقلبك.
ختاماً،
رواية رائعة، والسرد لطيف وخفيف، تجري بك الأحداث التي تقع في حوالي 150 صفحة بسهولة ويُسر، وهذه التجربة الرابعة لي مع ترجمات "محمد الفولي"، وكالعادة يبذل مجهوداً كبيراً في عمله، واختياراته رائعة.
يُنصح بها.