اسم الكتاب : السيد فاليري
اسم الكاتب : غونزالو تفاريس، كاتب برتغالي ولد في أغسطس 1970 في لواندا, أنغولا. نشر أول أعماله عام 2001 ومنذ ذلك الحين حصل على العديد من الجوائز الهامة.
رسومات: راتشيل كايانو
المترجم : مهدي سليمان
دار النشر : دار الخان للنشر
تصنيف الكتاب : قصة قصيرة
ليس من اليسير التعامل مع نصوص غونزالو، مع أن كل قصة ذات أسطر محدودة لكنه لا يتبع مسار تقليدي لحكاية تتطور وتتعقد، وتقود شخوصَها للكشف عن أفكارهم أو كيفية تعاطيهم مع الظروف التي يجدون أنفسهم فيها. لكن يغلب الرمز على كتاباته.
ومفهوم الرمز في الأدب هو الإيحاء، أيْ التعبير غير المباشر عن النواحي النفسيّة المستترة، أمّا الرمزية فهي أن توحيَ بأفكارٍ أو عواطف باستعمال كلمات خاصّة في نظام دقيق لنقل المعنى بتأثير خفيّ أو غامض، بحيث ينطلق المعنى في آفاق واسعة جدًا، فالرمزية هي التعبير عن الأفكار والعواطف، ولكن بطريقة غير مباشرة، إنّما بواسطة وضع توقعات لماهية الأفكار والعواطف، وذلك بإنعاشها في عقل القارئ من خلال الاستعمال الرمزي غير الواضح لها.
تلفتك أولا الصور الغريبة المحفزة للخيال المرفقة بصفحات القصة ،وعناوينها الدالة ومضامينها المقتضبة
(الأصدقاء-الحيوان الأليف -القبعة-لكل شىء جانبان- العطسة-الحذاء- بيت قضاء الاجازات -المكعب- الزواج...)
، ثم تحاول أن تستخرج مغزى القصة وتحل أحجيتها ورموزها.فإن وفقت الى المقصود من كل قصة تملكك الضحك وتحصلت العبرة.
من هو السيد فاليري ؟
إذا تغلغلنا في شخصية السيد فاليري، سنرى أنه شخص يتسم بالغرابة، فتصرفاته وشكّه الدائمان يدلان على ذلك، حيث كان يشكّل خوفه وشكّه واضطرابه في أفعال يومية غير مألوفة، فهو معتدُ بنفسه وواثقٌ بها ، تجده مغرورا تارة، ومضطربا ومترددا تارة أخرى، فلا يخطو أي خطوة إلا إذا كانت منطقية من وجهة نظره الخاصة، فهو لا يهتم بآراء الآخرين ويفعل ما يرضيه ويراه مناسبا. يخشى من التعلق بشيء، ويسعى أن لا يعلق قلبه بأي شيء كان مثل الحيوان الأليف أو حتى زوجة تشاركه حياته، كي لا يشعر بالحزن والأسى عند الفقد أو الرحيل.
ولنستعرض نماذج من هذه القصص :
- في " الأصدقاء "السيد فاليري قصير جدا ولرغبته ان يكون طويلا كان يقفز عاليا جدا قائلا” انا مثل أي شخص طويل، إلا أنني أكون طويلا لفترة أقصر” ويبحث عن حلول جديدة، تجعله بطول الآخرين لفترة أطول ،وبعد استخدام كرسيا يقف عليه،أو يقفز عاليا ، وجد انها وقتية ، فلم يجد إلا أن ينظر للناس من نقطة ترتفع عنهم بمقدارعشرين سنتمترا ، حتى أنه تمكن من رؤية قمم رؤوس الناس الذين كانوا يبدونه طولا بمقدار كبير . فالكرسي والقفز عاليا إنما هي رموز رموز يمكن تفسيرها تبعا لما يراه القارىء (فمكن أن تكون السلطة وممكن أن يكون النفاق والتملق والتزلف للأخرين) .
- في ـ«الأدب والمال» حيث يحمل السيد فاليري كتابا ذا غلاف بلاستيكي على الدوام. يستخدم الكتاب كمحفظة لحفظ نقوده التي يضعها وفق آلية معينة. اللافت للانتباه، أن السيد فاليري شديد الحرص على كتابه ونقوده ويعتني به عناية فائقة ويمسكه بكلتا يديه وبإحكامٍ شديد. المال هنا رمز للرخاء المادي والحالة المادية للسيد فاليري، خصوصا إن كانت هناك فئات متعددة من الأوراق النقدية والمعدنية التي يحتفظ بها السيد في ثنايا الكتاب. ربط المال بالأدب جاء من باب أهمية المال في حياتنا اليومية وضرورته، وكذلك الأدب بالنسبة للسيد فاليري لا يقل أهمية عن المال، فعدّه ضرورة للعقل وحرص على تواجد الكتاب معه أينما ذهب.
- والعجيب في شخصية السيد فاليري هو أنّه يصمم كل شيء حسب حاجته فقط، حتى أمنياته، فمثلا يتمنى أن يكون له بيت للإجازات يتكون من أربعة أبواب تشكّل مربعا يناسب حجمه، حتى يسترخي ولا يضيع بين غرف البيت العادي. وكذلك في التجارة، يهتم فقط بكسب قوت يومه ويكتفي به، بدون أن يطمح للثراء أو الربح.
- في الحزن : يقول
«نظرا لأنني لا أشعر بالكــــمال كما أنا في الحقـــــيقة، فإنني أظـــــن بأن كل شيء لا أكـــونه قد يجلب لي الكــــمال، ولهـــذا أريـــده لنفســـــي وأســـرقه من العالم. في الحقيقة، تلصق الشوارع نفسها بحذائي لأنني لست سعيدا. قال ذلك وهو في بحر من الكآبة».
حاول السيد جاهدا أن يتصدى لكل مشاعر الفقد والحزن والألم، إلا أنه في النهاية غرق في بحرٍ من الكآبة والحزن، فهو وحيد وحزين ومتعب. من الطبيعي أن يشعر السيد بكل هذا الحزن العميق الذي اجتاحه، فأيامه متشابهة ونمط حياته محدد من قبل النمط الذي يسير عليه.
قصص غونزالو تفاريس،متعة للعقل ،فهي لعبة ذكاء تنشطه وتلهمه في ذات الوقت