"هل تعرف يا عزيزي، أظن أن الخيال أهم صفة يمكن للمرء أن يتسم بها، فهو يجعل الناس قادرين على وضع أنفسهم في مواضع أشخاص آخرين، ويجعلهم لطيفين وعطوفين ومتفهمين."
رواية "صاحب الظل الطويل" للكاتبة الأمريكية "جين ويبستر"، هي رواية مؤلمة كُتبت بلطافة وخفة، لن تجعلك تشعر بالألم إلا لو نظرت للصورة عن كثب، ولكن في العديد من الأوقات لم أستطع أن أرى إلا الألم، مهما كان شكل اللطافة والخفة التي تتميز بها بطلتنا "جيروشا أبوت"، أو فلنقل "جودي أبوت"، فهذا الاسم الذي اختارته لنفسها من الأشياء القليلة التي استطاعت "جودي" أن تختارها بنفسها.
"جودي أبوت" هي يتيمة، لقيطة –كما وصفت نفسها مرات عديدة-، تعيش في ملجأ، ولا يوجد في حياتها إلاه، وعندما تجاوزت السن القانوني للتواجد بالملجأ، هيأت الظروف لها "صاحب الظل الطويل" لكي يُقدم لها فرصة ذهبية لتُكمل دراستها بأحد الجامعات، رغم أنه لا يُحب الفتيات، وكان لا يُهدي المنح الدراسية إلا للصبية، ولكن "جودي" كانت الاستثناء لذلك، وفجأة تجد حياتها قد انقلبت، للأفضل بالطبع، ونرى من عيونها كيفية تحول الحياة، من خلال طلب "صاحب الظل الطويل" أن تُرسل رسالة تحتوي على مُلخصاً لمجرى أمورها وعلى الأخص بالطبع، أمور دراستها.
وخلال العديد من الرسائل، نتطرق إلى فهم شخصية "جودي"، وأيضاً، ستتمكن من تفتيت قلوبنا، ببراءتها، ولُطفها الشديد، ووعودها العديدة لـ "صاحب الظل الطويل" بأنها ستنجح وتقوم بأقصى جُهدها لكيلا تجعله يشعر بالحزن أو خيبة الأمل، وأنها ستكون عند حسن ظنه. ونرى التطور الواضح لأفكارها، وآرائها، والسعي إلى الاستقلال، لتُصبح كاتبة وقد نجحت في ذلك نجاح لا بأس به.
"وأفضل ألا أقبل أي إحسان سوى ما أنا مضطرة له."
هذا الاقتباس قد ينقل لنا صورة واضحة عن شخصية "جودي"، فأي شخص في مكانها قد يقبل مثل هذه الإكراميات، والعطاءات بلا حدود، ولكننا لم نكن نعلم أن في نيتها اتخاذ خطوات لتقليل تلك المبالغ التي صُرفت عليها وعلى دراستها. مع التذكير دائماً، أن "جودي" قد عانت كثيراً، وذلك يسطع جلياً، في ردود فعلها على أبسط الأشياء، مثل أن يكون لها سريرها الخاص، ملابسها الخاصة، وطريقة تفكيرها الخاص. فتظهر الصدمة الأكبر، أن كُل ما تُعاني "جودي" من أجله، هي أبسط حقوقها في الحياة، ولكم دُهشت طوال الأحداث أن أكثر ما كان يؤلمها هي وحدتها، لا عائلة فجعلت كُل عائلتها "صاحب الظل الطويل" وذلك جاء واضحاً في التفاصيل الدقيقة لحياتها التي تنقلها له، "جودي" لم تكن تكتب له لأنها أمرها بذلك! على العكس، "جودي" كانت ستكتب كُل ذلك من تلقاء نفسها، لتُزجي وحدتها الموحشة، التي فهمتها مُبكراً في أعوام المراهقة. وكانت وحدتها لا تُعوض أبداً، لا زملاء سكن، ولا كتابة الرسائل، ولا الاشتراك بالرياضات، ولا التفوق الدراسي، كانت دائماً وحيدة، ومن وحدتها استطاعت أن تنجو. كانت كُل ما تحتاجه "جودي" هو فرصة واحدة فقط، لتُثبت نفسها، واستطاعت تلك الفتاة اللطيفة، الوحيدة، أن تكون جديرة بتلك الفرصة، بل وسعت إلى الاستقلال بنفسها، وبفكرها، وبكتاباتها، أي شجاعة تمتلكها "جودي"؟ أي إرادة وأي عزيمة؟ هذه قصة مُلهمة عن النجاة. دعنا نختم بهذا الاقتباس التالي على لسان جودي، لتفهم تماماً ما أعنيه:
"إن الطريقة التي يدور بها الناس عيونهم باتجاه السماء دوماً قائلين «ربما كان ذلك أفضل لنا» - في حين أنهم متأكدون أنه ليس كذلك- تجعلني حانقة. فالقنوت والاستسلام أو سمه ما شئت، ليس سوى عطالة العاجز. أنا أفضل المبادئ التي تُسجع على السعي أكثر."
ختاماً،
جاءت الترجمة مُميزة، واختيار عنوان: "صاحب الظل الطويل" مُناسب أفضل من الترجمة الحرفية للعنوان.
بكل تأكيد يُنصح بها.