مرصد المتاهة : الأخبار العالقة في المشهد

حياتنا عبارة عن مجموعة ضخمة من القصص القصيرة. قصيرة إلى درجة اختزالها في خبر في جريدة أو في نصّ على شريط قناة أخبار!

وسط كمّ هائل من العناوين تتراكم عناوين قصيرة تُختزَل فيها حياة البشر، وتضيع مشاعرهم ووجودهم ذاته في فضاء اللامبالاة.

وهذا تحديدًا ما دفع الكاتبات الثلاثة إلى كتابة هذه المجموعة القصصية. يقتنصون خبرًا من الحياة، وتتوه كُل منهنّ في خيالهّن في محاولة عيش الحيوات المُمكنة المُختزَلة في هذا الخبر!

كتاب مرصد المتاهة عبارة عن مجموعة قصصية. ستة أخبار وثمان عشرة قصة للكاتبات إستبرق أحمد وسوزان خواتمي وأفراح الهندال؛ نصيب كُلٍ منهنّ ست قصص.

أعجبتني التجربة لأنها قدّمت ثلاثة أساليب كتابية مُتنوّعة. مما أضفى ثراء على الأفكار الواردة في الكتاب، حيث قُدِّمَت كًل فكرة (خبر) بثلاث رؤى مُختلفة.

يميل أسلوب الكاتبة سوزان خواتمي إلى الكوميديا السوداء الممزوجة بحرفية مع التجربة الحياتية. مما يُشعر القارئ بأنه قريب من أحداثها أو لعلّه يشعر بأنه جُزء منها. وفي رأيي أن سوزان خواتمي لديها قلم ممتاز يؤهّلها لتقديم أدب المدينة الفاسدة (الدستوبيا) بأسلوب ساخر مع تميّز في تقديم النفس الإنسانية بشكل حيّ.

أما الكاتبة أفراح الهندال فتتميّز كتاباتها باللغة الجزلة والتعبيرات الرقيقة والصور البلاغية غير المُركّبة، مما جعل أسلوبها بسيطًا سهلًا يصل بالقارئ إلى المعنى دون الدخول في تعقيدات قد تمنع القارئ من التماهي مع القصة. قلم أفراح الهندال قلم ناعم، حتى وإن كان ينضح ألمًا!

أما الكاتبة إستبرق أحمد فقد برعت في تطويع اللغة لتركيب رمزيات تتنوع درجة صعوبة تفسيرها بين الوضوح والإبهام. قصص إستبرق ليست لقراءة واحدة، أو لمرور سريع. وضوح القصص لديها يعتمد على مدى درجة تركيز القارئ، وفقط حين فكّ لُغزها يكتشف الأخير جمالها. فاجأتني إستبرق بتقديم قصصًا مُميزة عن أدب الدستوبيا والخيال العلمي والفانتازيا.

لفت انتباهي عدة نقاط:

أن الكتاب يبدأ وينتهي بفكرة الموت. فبدأ بخبر عن الموت الرحيم وانتهى بخبر عن الموت القاسي (فيروس كورونا)

في الكتاب قصتين من أدب الخيال العلمي، للكاتبة إستبرق أحمد، وهي جرأة منها لتقديم هذا النوع في الكتاب. لكن القصتين جاءتنا مُمتعتين بامتياز. تحيّة للاهتمام بهذا النوع من الأدب.

الإهداء أكثر من رائع: الأمر أشبهُ بأنني أريدُك أن تعلمَ، ولا أودُّ إخبارَك." جُبران خليل جُبران

تصميم الُغلاف بديع... تحية للفنان يوسف العبدالله

رسومات الفنانة إيناس عمارة جميلة وأضافت إلى القصص

خبر حادث المدينة الترفيهية هو أفضل خبر جاءت فيه جميع قصصه في أروع مستوى لغوي وأدبي للكاتبات الثلاث.

وجدت أن كُل خبر في الكتاب لم يكن النواة التي تتمحوّر حوله القصص. صحيح أن القصص تدور حول فكرة الخبر لكن جاءت بعض القصص بعيدة جدًا عن الفكرة التي من المُفترض أن تدور في فلكها.

لكل قصة تأثيرها الخاص على نفس القارئ، والقصص التي تأثرت بها جدًا هي (غير مُرتبة)

سرير مؤجل – أفراح الهندال

روبابيكيا – أفراح الهندال

436 رسالة – سوزان خواتمي

الحياة على نحو ما – سوزان خواتمي

عامي الأثير 1984 – إستبرق أحمد

الزُجاجة كوكب دُريٌّ – إستبرق أحمد

مَرصَد المتاهة هو مجموعة قصصية بأقلام أدبيّة أنثوية تحاول تسليط بؤرة اهتمام الإنسانية على مشاعر بعض البشر مِمن يُشاركوننا الحياة لكنهم يعيشون على هامش العالم! رُبّما يضمن ذلك ألا تصبح عذاباتهم مُجرد خبر يضيع في متاهة الحياة.

تقييمي النهائي

3 نجوم

معيار التقييم

نجمة = لم يعجبني - نجمتان = مقبول - 3 نجوم = أعجبني -4 نجوم = أعجبني بشدة - 5 نجوم = استثنائي

أحمد فؤاد

الرابع والعشرون من أيلول سبتمبر 2021

المجموعة القصصية "مرصد المتاهة"، للكاتبات الكويتيات "إستبرق أحمد"، و"أفراح الهندال"، والكاتبة السورية "سوزان خواتمي". تدور حول ثمانية عشر قصة، من خلال أخبار لفتت إنتباهنا، وأصبحت عالقة في المشهد كما ذكر العنوان الجانبي، ومرصد المتاهة، الذي أصبحنا فيها، فكرة العيش، في كُل تلك الأجواء، خلق متاهة نعيش فيها، ورُبما لو ألقيت نظرة على الغُلاف العظيم لتمكنت من فهم وجهة نظري.

تبدأ المجموعة القصصية بخبر، ثم يليها قصة لكل كاتبة، كتتمة للخبر، أو زيادة لشرحه، أو لتخيل مُستقبلي عنه، وبكل تأكيد أول ما سيلفت نظرك، هو التنوع المُدهش في طريقة سرد كُل كاتبة، بين الخفة والتكثيف، على حسب ما تحتاج رؤية كُل قصة، وكُل كاتبة. أيضاً، تنوع المغزى، فأحياناً كان واضحاً، وسهلاً، وأحياناً، كان يصعب الوصول عليه بعد أول قراءة، ولحسن الحظ، لم يكن النوع الأخير موجود بكثافة في هذه المجموعة.

وبالطبع كان التفاوت بين القصص، فهناك العديد من القصص الممتازة، والعديد من الجيد، أما القصص المُزعجة مثلاً، أو السيئة، فرُبما كان يوجد هناك قصة أو أثنتين. أما السمة العامة لهذه المجموعة القصصية فكانت التجريب، والحكي، وبالطبع، تعريفنا بكاتبات، تقص بشكل جيد، إلى الدرجة التي ستجعلني أُحب أن أقرأ لكلاً منهن عملاً مُنفرد.