اقتباسات من رواية نجم الدين صانع العطور

لماذا كلما كبرنا يا أمي أصبح وجودُ أمهاتِنا طاغيًا في أرواحنا؟ كلما كبرنا وَظَنَنَّا أنّنَا نستطيع الانفصال عن أمهاتنا وجدناهنَّ يسكنَّ فينا..

من قال بأنّ الله عندما خلق الدمع أسكنه عينَ المرأة فقط؟!

غربةُ الذات يا أمي أقسى من غربة المكان، وقد أصبحتُ غريبًا حتى عن نفسي بعدما تملكتني تلك الرغبةُ المحمومة في اتباع أَثَركِ،

نظرتْ جدتي إلى الفراغ نظرتَهَا المعروفة، وهمستْ « فليحفظْنَا اللهُ من القادم، فليس منه عودة».

وكان لها بخور خاص لكل مناسبة ولكل وقت، فهي إن حلّ المرض بأحد من أهل المنزل بخرت باللبان الدكر، وإن شعرت بأن العين أصابت المنزل أو أهله بخَّرَت بحبة البركة، وفي المطبخ تضع بخور المستكة ليخفي روائح الطبخ كما كانت

كانت جدتي مَلْكَة حنونة جدًّا، تحب الضحك والمرح وتعشق حلوى الحلقوم، ولا يخلو مجلسها من علبها التي تفوح منها رائحة ماء الزهر والمستكة النفاذة، تحب أن تعتني بكل التفاصيل في المنزل وتضيف الروائح لكل شيء حتى الماء، كانت تنكهه بماء

يومًا بعد يوم وقبل أن نحصي الأعوام نجد أنّ تلك الطفولةَ قد انتهت،

سريعًا تمضِي سنواتُ الطّفولة يا أمي؛ لنبدأ في مواجهة الشياطين التي تحُومُ حولَنَا في كلِّ مكان، تلك الشياطينُ التي تجد في نفوس بعض البشر مرتعًا خَصْبًا ومنزلًا رَحبًا لتنمو وتتكاثر…

ستعلم ولو بعد حين أننا أحيانًا نقسو على أنفسنا باختياراتنا خاصة إذا ما صاحب الاختيارَ إيمانٌ بقضية».

ما قيمة الوقت عندما يعجز الإنسان عن الشعور به والكلمات عندما نعجز عن استخدامها؟!

ضحكتُ متعجبًا منها.. فحتمًا سيأتي أجلي يومًا، لا أدري لم تفزعها الفكرة، لقد عشتُ حياةً طويلةً مليئةً بالمغامرات والأحداث الحزينة

لا يكادُ يخمد بركانٌ ليثورَ الآخر، انظر إلى كل ذلك الخراب والدمار والتشرد والقتل الذي يصنعُهُ البشرُ بالبشر، انظر إليهم كيف يتفننون ويتبارون في صنع الأسلحة التي تضمن لهم أكبرَ قدرٍ من الخراب والدمار؟ وكأن هذا هو أَسْمَى أهدافهم وكل

قد لا نفارق الأوطان والأحباب حتى نشعر بالغربة؛ ولكن هم من يفارقونا.

الغربةُ يا أمّي ذلك الثِّقَلُ الذي يرزَح تحت وَطْأَتِهِ قلبُك حتى تشعرين بالاختناق، ذلك الشعور المُوحش بأنك وحيدة… سَلَبَ منك أمانَكِ واطمئنانَكِ،

في أرذلِ العمر، وما أدراكِ يا مَنْ تركتِ الحياة وأنتِ في بداية الربيع! ما هو أرذل العمر عندما يَملُّ منك جسدُك ويعترض ويتذمر على كل ما تُكرِهينه على القيام به. عندما تنكمشين ويجف جلدك ويتغضن كحبة زبيب ألقيت تحت شمس

فأحيانًا يا نجم لا يكون ألد أعدائك سوى ذلك العقل القابع المتربص بداخل رأسك…

فبلا إيمان راسخ بشيء ما بفكرة ما، بمعتقد ما… بكيان أسمى، أعظم، أكبر، أقدر وأرحم نلتجئ إليه نلتمس منه هداية لطريق أو رحمة من عذاب نضيع يا نجم وتتقاذفنا شياطين التيه في كل درب نسلكه..