"وسط هذا الحشد الغفير ترى شحاذين متجولين وجامعي أعقاب سجائر وباعة يطلقون الدعايات، كأنهم بهلوانات في ساحة عرض. بدت مقهى المرايا كمكان خلقه الحكماء بعيد عن عالم الأحزان." - شحاذون ومتكابرون لفيلسوف الكسل ألبير قصيري 🇪🇬
شحاذون ومتكابرون (ترجمة محمود قاسم) هي ثالث ما أقرأ لقصيري (بعد ألوان العار وبشر نسيهم الله) بترشيح من العزيز عمر منيب، والحق أن الرواية -على الرغم من سوء الترجمة- تُعد بمثابة دراسة في عوالم المهمّشين ودرسًا في تطور الشخصيات وتشابكها دون أن يفقد أي منها مجاله الحيوي لصالح غيرها من أبطال العمل. وعلى الرغم من أن الشخصيات جميعها يمكن تنميطها كنماذج من قاع السلم الطبقي، إلا أن قصيري قد منح كلًا من شخوصه سمة تتحدى المنظور السائد وتربك القارئ (ورجل الشرطة في الرواية).
يحمل العمل أصداءً من رائعة ديستويفسكي "الجريمة والعقاب": جريمة قتل عبثية يرتكبها شخص مثقف، مرتبك، لا يستفيد مطلقًا من موت الضحية، ثم عملية تحقيق وبحث تكشف عالمًا كاملًا لا يخضع لمقاييس المجتمع فيما يتعلق بالخطأ والصواب ولا يعترف بمفاهيم العدالة والسلطة المتداولة والمعمول بها، ولعل قصيري قد اختزل تلك الفلسفة في حوار على لسان أبطال العمل:
"- الجريمة بلا دافع تتطلب فكرًا راقيًا
- هل تقع الجريمة بلا دافع تحت طائلة القانون؟ أليس لها نفس مدلول الزلزال على سبيل المثال؟"
كالعادة، تتركنا الأعمال الجادة مع أسئلة، لا مع إجابات. تجعلنا نفكّر، ننزعج، نتمرد على ما لدينا من يقين زائف، وهو ما يجعلنى محبًا لألبير قصيري الذي لم يحظ بما يستحقه من تقدير مقارنة بأنصاف وأرباع المواهب التي تملأ الأرض صياحًا في يومنا هذا عقب كل جائزة.
#Camel_bookreviews