** spoiler alert **
"كُل إنسان يموت، ولكن ليس على كُل إنسان أن يرى من يحبهم في أحضان شخص آخر.."
رواية "فئة تستحق القتل" للروائي الأمريكي "يبتر سوانسون" هي تقريباً تجسيد مادي لنوع الرواية التشويقية التي أُحب. أحداث مُتماسكة، شخصيات سيكوباتية لأبعد الحدود، دوافع الشخصيات موجودة وبقوة، خلفياتهم واضحة ومبنية جيداً من الماضي حتى المُستقبل، والأهم من كُل ذلك كاتب يمتلك القدرة على جعلك تتقافز على السطور تنهل منها، ويظل يُفاجئك طوال أحداث الرواية؛ وليس فقط في آخر فصل، ويمتلك الشجاعة والجرأة في إتخاذ القرارات.. كُل ذلك كان موجوداً بالرواية.. التي تميزت بالترجمة الأمينة والجيدة من "نهى بهمن".
تبدأ قصتنا بـ"تيد" في أحد بارات المطار يجلس لتتقاطع جلسته مع "ليلي" التي سُرعان ما يُخبرها أنه يُريد أن يقتل زوجته لأنها تخونه.. هُناك العديد من الأسباب التي جعلته يفعل ذلك، رُبما قوة الخمر.. أو قوة عيون ليلي الخضراء.. أو شعرها الأحمر أو الوصف الذي شعرت أن الكاتب يقصد به "سكارليت جوهانسون" فظللتُ طوال أحداث الرواية أتخيل أن "ليلي" هي "سكارليت" وراقني الشبه.
فسُرعان ما نجد "تيد" و"ليلي" يُخططان سوياً لقتل "ميراندا" تلك الزوجة التسلقية، التي تزوجت "تيد" فقط من أجل ماله.. وها هي تخونه مع "براد" المقاول الذي يبني لهم بيتاً خُرافياً من أموال "تيد".. يبدو أن المقولة التي تقول أن النساء يُمكن شراءهم بالأموال لا تُجدي نفعاً هُنا.. فهي وباعترافها قام "تيد" بتلبية جميع طلباتها مهما بلغ غلاؤها وسعرها.. ورغم ذلك خانته.. فليحترس الرجال إذاً من النساء.. ولكن أكثر ما يجب أن نحترس منه -معشر الرجال- ما قد شعرته من خلال نفور "تيد" من زوجته "ميراندا" بعدما أكتشف خيانتها وتلك الطريقة التي كانت تكذب بتلقائية وبساطة شديدة عليه.. ذلك ما آثار حنقه وبشدة.. تلك القدرة على الخداع.. بدون أن تُظهر أي تردد أو خوف أو حتى إرتباك.. تلك الطريقة البارعة القذرة التي تكلمه بها وكأنها أوفى زوجة في العالم. دائماً ما كُنت أرى "ميراندا" طوال أحداث الرواية أنها تشكيلة من أفخر أنواع القذارة والدناءة والحقارة ولكنهم موضوعين -للآسف- داخل قالب جيد يُجذب الرجال حولها كالذباب الملفوف حول حلوى مسمومة.
"يُمكنني تخيل شعوره حينها، ذلك الخواء الرهيب والألم الذي يعتصر القلب حين يخذلك من تُحب."
فهمت جيداً لماذا اختار الكاتب اسم "فئة تستحق القتل" كعنوان لروايته.. فتلك الفئة التي تستحق القتل.. هي التي تكذب في وجهك بكل وقاحة، هي التي تستمع بكسر مشاعرك وامتصاص روحك، هي التي لا تُبالي بحجم وجعك، فقط تستنزف روحك من أجل مصلحتها الخاصة، وفي الوقت التي ستشعر أن تلك الفئة فعلت كُل القذارات المُمكنة، ستجد أنها ما زالت في البداية، وأنها تُدبر لك الأسوأ وتنوي على تحويل حياتك إلى جحيم أو إرسالك إليه أيهما أقرب.
رُبما سيتهمني البعض بأنني مريض نفسي أو سيكوباتي قليلاً بعد قراءة التالي ولكن لا بأس، صراحة تعاطفت مع "ليلي" تلك الطفلة التي لم تجد لها أباً ولا أماً يوجهها، عائلة مُهملة ومُفككة لأبعد حد، عاشت طفولة بائسة، ويائسة، وتعلمت أن تكون حيواناً ضارياً يأكل ولا يؤكل. رُبما منهجها مُختل قليلاً، هي ترى أن كُل شرير يجب أن يُعاقب بالقتل، ولكن هذه ليست طبيعة العالم، ولكنها طبيعة العالم التي نشأت فيه، وذلك الاختلال الناتج عن سوء تربية عرضها للعديد من التحولات الذهنية والفكرية.. ولكنك لا تستطيع أن تُنكر أن في منطقها شيء من العدالة الشعرية.. أليس كذلك؟
أعجبني كذلك حرص الكاتب على إنتهاز كُل الفرص المُمكنة لإبهار القارئ من التشويق الطاغي على الأحداث، السرد المُتقن والوافي.. وكذلك القرارت الجريئة.. وأبرز تلك القرارات هو قرار الفصل السادس عشر بالطبع، وقرار النهاية.. فلو كانت الشخصيات سيكوباتية فتأكد أن الكاتب على نفس المستوى، وسيتلاعب بك. أكثر من مرة.
ختاماً..
حاولت ألا أسهب في المراجعة ولكن يبدو أنني فعلت ذلك كالعادة عندما أتكلم عن رواية جيدة أحببتها.. وبكل تأكيد هذه رواية رائعة..
ويُنصح بها وسأتمنى أن أراها في فيلم سينمائي.. سيكون فيلماً عظيماً وأتمنى مثلاً أن يقوم بإخراجه "إدجار رايت" مُخرج فيلم "السائق بيبي" الشهير.