منذ عام ١٩٥٩ بدأت الحرب الأهلية فى رواندا.. بدأت أعمال القتل والترهيب منذ وقتها، وتقسيم المواطنين الذين يجمعهم كل شئ، من لون البشرة وحتى الإله المعبود، ولا يفرقهم سوى خانة القبيلة فى بطاقة الهوية (هوتو أو توتسي أو توا). ثم بدأ الجنون والوحشية وبدا كما لو ان كل شرور العالم قد اجتمعت فى الفترة من ١٩٩٠ وحتى ١٩٩٤.. وتحديدا الشهور الثلاثة التي حدثت فيهم الابادة الجماعية من ابريل ١٩٩٤ وحتى يوليو ١٩٩٤.
الترجمة للأسف لم تكن جيدة او واضحة فى بعض الفقرات. ولكن هذه الرواية تحكي أجزاء مما حدث، توثق تلك الفترة السوداء فى تاريخ البشرية.
لا استطيع تقييم الكتاب او تحليله، فهذه الرواية لم تكتب بغرض التنافس على جائزة أدبية ما، بل كتبت أساسا لتوصيل رسالة للعالم، ولتخليد ذكرى الضحايا، ولتذكرة البشر، بأن الانسان هو عدو نفسه الاول، فما يمكن أن يتحول إليه من توحش وشيطانية لا حدود له ولا يمكن لعقل استيعابه.
أن يقتل الجار جاره وعائلته بكل وحشية، أن يشي المرء بصديقه ويسلمه الى من يقطع أطرافه ثم يقتله ببطء، أن يذبح المرء عائلته، أن يعطي الكاهن الأمان للبؤساء الذين يستنجدون بالرب، حتى اذا جمع المئات منهم سلمهم الى حتفهم بكل وضاعة. أن يُقتل أكثر من مليون شخص بالسلاح الأبيض، وتغتصب ما يقرب من ٢٠٠ ألف إمرأة، أن يتظاهر الأطفال بالموت تحت جثث آبائهم بينما تتعفن جروحهم بمرور الوقت ولكنهم لا يشعرون سوى بالرعب من أن يتم اكتشافهم. يا لهذا الكابوس اللعين!
تعرض الرواية دور الدول العظمي في هذا المأساة، فقد ارتأى العالم ألا يتدخل، بل أن يترك هؤلاء الأفارقة ليقضوا على بعضهم البعض بأنفسهم.
لا أستطيع القول سوى أنني أتمنى أن يزيد عدد الكتَّاب الذين أخذوا على عاتقهم مهمة فضح النظرة الاوروبية لأفريقيا، وجرائمهم التي اختار العالم ان يتغاضى عنها بكل وقاحة. ومهمة نقل الصورة الحقيقية للجميع.. الصورة اللي اختار العالم أيضا ان يهمشها ويقول "ينبغي ألا نبالغ فى الأمر على أي حال".
الى أي مدى سيستمر الرجل الأبيض فى النظر الى غيره من الاعراق الاخرى وكأنهم أشياء لا قيمة لها؟ مجرد أرقام، احصائيات، او بيادق على رقعة الشطرنج يحركها كما يحلو له؟. كم كان من الممكن انقاذ هذه المأساة قبل حدوثها؟ أو على الاقل قبل ان تصل البشاعة الى هذا الحد؟ كم عوملت الأرواح التي عانت وقُتلت وذُبحت بلا مبالاة وتجاهل مشين؟
كان الهوتو هم من ينفذون القتل، وكانت فرنسا ومن قبلها بلجيكا ومن بعدها الدول العظمى كلها "كما يشار اليهم" هم من يؤججون الفتنة، بينما يتظاهرون أنهم يهتمون للوضع المشحون فى رواندا ويعربون عن قلقهم فى تمثيلية مثيرة للغثيان.
لماذا يحق للرجل الأبيض أن يحوز على كل التعاطف والاهتمام بينما يرتكب ما يرتكبه من جرائم فى البقاع البعيدة فلا يلومنه أحد؟
يصرخ التوتسي صرخة استنجاد، يبذلون قصارى جهدهم لمجرد اثبات ان الابادة الجماعية التي تحدث فى رواندا هى حدثا مروعا فلتنظروا الينا رجاء.. ولكن كل ما يجدونه هو صوتا يخبرهم بأنه "ينبغي ألا نبالغ فى الأمر على أي حال".
كما قال "بوبكر بوريس ديوب" فى خاتمة الكتاب
❞ لن يمكن تحت أي ظرف من الظروف أن يسمح مفكر أمريكي لنفسه بوصف الهجمات التي وقعت في 11 سبتمبر بكونها حدثًا غير ذي شأن والتي خلفت عددًا أقل بكثير من الضحايا عن الذي خلفته الإبادة الجماعية للتوتسي. ❝
الاحداث المذكورة فى الرواية لا تعد نقطة فى بحر ما حدث، ولكن مهما كُتب لن يستطيع أحد أن يصف الاهوال التي رآها ومر بها التوتسي فى أرضهم.