رواية "الخط الأبيض من الليل" للكاتب الكويتي "خالد عادل النصرالله"، تدور أحداثها بأجواء ديستوبية في بلد لا نعرف كُنهها، ولكن نستطيع أن نجده حولنا بسهولة، حول شخصية "المُدقق" الذي يعمل بإدارة المنشورات. المُدقق الذي أمضى حياته كُلها يقرأ ويقرأ حتى وظيفته أصبحت القراءة، فعمل بالإدارة التي تُجيز نشر الكتاب أو حرقه. أجواء مُقبضة ستصيبك بالذعر. ماذا لو حدث ذلك فعلاً؟ وأصبحت الكُتب تخضع لتلك الرقابة الصارمة؟ تُملي عليك الحكومة ما تكتبه، بل أن لفظاً واحداً قد يمنع كتابك من نشره! كلمة واحدة، هل تستطيع تخيل عدد الكتب التي ستتجه مباشرة إلى المحرقة؟ ومن هنا كانت الفكرة الجذابة للرواية، التي ربطتني بها، وجعلتني أغوص في سودوايتها، وحيرة شخصية "المُدقق"، الذي وجد نفسه بين نارين، نار منعه للكتب، الكتب التي يستمتع بها، ونار أن يوافق على نشرها، فيُقابل الجزاء الذي قد يصل إلى تخوينه، وإتهامه بأنه غير وطني! فإلى أي جانب سينتصر؟
فكرة الرواية ساعدت على الغوص داخل أجواء الكتب وما يُصاحبها، من المطابع، إلى الكُتاب، وعلاقة مقص الرقيب بالحكومة، وكيف أن تلك العلاقة طردية بحتة، فمقص الرقيب يخدم الحكومة، فيقص كُل ما يُساعد على الاعتراض عليها، بل ويُحدد الأفكار التي تُريد الحكومات ترديدها بلا كلل وبلا ملل، يُريدون شعباً مُعلباً جاهزاً، يحمل أفكار مُتشابهة، يُريدون شعباً لا يفهم، ولا يقرأ، وأن قرأ، يقرأ ما يجعله في صف الحكومة! ونرى مُعاناة الكُتاب المُختلفة، في مواجهة الحكومة، التي تتهم وتحبس وتسحل وتُهين، وتكفر بالخيال، والرمزيات، وتُعين الخُبراء ليفكوا شفرات الكتاب، وإن وجدوا ما يدل على أي اختلاف مع أفكارهم، قصوه، بل وقد يصل الأمر إلى الحبس كما حدث مع الروائية التي فازت بجائزة دولية، ولكنها أُهينت في بلدها. مُثير للسخرية، ولكنه واقعاً، لو رأيت الصورة من الخارج، لوجدته مُتجسداً في عالمنا، وأقرب مما تتصور.
ولكن كُل تلك الأفكار، المُثيرة للاهتمام، والتي حملت صبغة فلسفية أحياناً، عابها التدفق البطيء والذي قد يصل حد الملل، للسرد، أحياناً كنت أشعر أن الأحداث أما مُكررة أو قد طالت أكثر من اللازم بكثير، حتى أن الرواية بداخل الرواية، لم أصل إلى مغزاها تماماً، وشعرت أنها مُحاولة لتزويد التشويق عن طريق منح راحة عن القصة الأساسية، ولكن، تشابه أسلوب الكتابة، كان عاملاً إضافياً لزيادة الملل.
ختاماً..
وقعت رواية "الخط الأبيض من الليل" في فخ الملل، والتكرار، ولكنها لا تزال رواية هامة، تُناقش مواضيع عدة تمسنا وتخصنا، وندعو الله أن تكون أحداث الرواية الديستوبية، مُجرد خيال، لا واقع سنعيشه، ونجد أنفسنا نُخزن كُتبنا بمكتبات أرضية، لكي نُحافظ على الكتب من الإنقراض!