صباح الخامس والعشرين من شهر ديسمبر
تأليف
يسرى مقدم
(تأليف)
خبرتُ وجهَي الغيبةِ يا أمي، خضتُهما في أمومتين متناقضتين، تباعدتا، زمنياً، وتَرادف فيهما الحضورُ والغيابُ. وفي الحالين، لم أبلغ في الغيبة شبهاً بكِ، يا سكنة، دُمْتِ في الضّدين أمّاً كليَّةً اعتصمتْ بأمومتها، وصَيَّرَتْها اسمها وسرَّها وحتمها من أمرها، اقتبستْ منها ما تَقْتَبِسُهُ النارُ من النار، وما ينفقُه الحبُّ من الحبّ.. أما أنا، فلم أعرفْ من الأمومة، في المرَّتين، غيرَ تنافر أضدادٍ ينفي بعضها بعضاً، ويلعن واحدُها الآخر. فبيني وبين أمومتي الأولى، رميتُ حُجباً عمياء؛ وبيني وبين أمومتي الثانية أزلتْ كلَّ الحُجب، كما لو أنني لا أطيق تحالفَ الأضداد. هكذا، هربتُ من التقصير إلى قصاص الذَّات هربَ الخائف من ذنبٍ إلى ذنبٍ!
الذنبُ، يا سكنة، قصاصٌ عسير يصعب الفكاك منه حين نَرِثُهُ بمشيئةٍ قدريَّةٍ تحتّمُ ما يُرسّخه، ويضاعف، بالتواتر الزمني، دوائرَه وانسحاباتِهِ ومستلحقاتِه!