*القراءة الثالثة لي لقلم هدى عبد المنعم، كاتبة شابة صدر لها ثلاث روايات صادرين عن دار كيان، اخرهم رواية مُتسع للرقص، تستطيع هدى أن تحكي لك الحكاية بكل سلاسة وبساطة، مع المحافظة على مفرداتها اللغوية القوية والمعبرة، وتستطيع أن تقدم صور بلاغية مبهرة حقًا، أحببت كتابتها منذ الرواية الأولى لها، تنم عن قلم واعيً ويتطور بشكل مستمر.
*رواية متسع للرقص مقسمة إلى 4 فصول، كل فصل منهم ينقسم إلى عدة اجزاء، في البداية كنت أفضل أن تنقسم الرواية إلى عدة فصول أقصر أو عناوين أكثر، أنا أفضل تقسيم الرواية لأجزاء كثيرة يمكنني أن اخذ هدنة فيها لأعيد ترتيب أفكاري.
-ولكن مع الاستمرار في القراءة فهمت لما فعلت هدى ذلك، في كل جزء أو فصل من الرواية كان له مغزى بعينه.
*الفصل الأول.. بدى هذا الفصل وكأنه تعريف بالأسرة التي سيكون الحديث عنها، تعريف بالأبطال، وعلى الرغم من أنني توقعت في البداية أن تكون سبيل هي البطلة ولكن مع الاستمرار في القراءة أتضح أنني خاطئة، لم تكن سبيل وحدها البطلة ولم تكن سناء أختها أيضًا كذلك، كانت الحالة ككل، الذكريات والأحداث والأشخاص لكل منهم بصمة مميزة وفكرة مميزة وتكوين محدد يمكنك أن ترى ملامحه بوضوح، وأن كانت كل الأحداث تدور على لسان سبيل وسناء فقط.
*الفصل الثاني.. كان هو العقدة التي بدأت بالظهور، الإجابة على سؤال ما الذي حدث لسبيل لتترك بيت أختها الذي ترعرعت فيه؟ الإجابة على لماذا أبتعد باسل هكذا؟ لماذا كانت سناء دائمًا شخصية مهمشة؟ كل تلك الأسئلة يحكي عنها هذا الفصل بكل سلاسة وأريحية فتشاهد الأحداث وتفهم كل شيء لماذا حدث، والمفاجآت تحدث أمامك بشكل متتالي.
-استطاعت هدى أن ترسل لي ملامح سبيل بسلاسة حتى أنني شعرت بالاختناق والوحدة كلما تحدثت، ولا أعرف كيف كانت تعيش حياتها منغلقة هكذا، على الرغم من أن الأشخاص حولنا قد يكونون أكثر ضررًا ولكن ما فائدة جنة خاوية من أحبائنا؟!
*الفصل الثالث.. بذرة التغيير، مهما كنت تجد التغيير صعب، بالتأكيد ستقف في يومًا ما أمام مفترق طرق، مما يجعلك تتسأل: أتستمر في طريقك ذاته دون تغيير وتصبح مجرد جسد بلا روح؟! أم تحاول التغيير وتكتشف ذاتك من جديد؟ بالتأكيد ستجد الإجابة الصحيحة إن كنت تريدها، سبيل وسناء كانتا رتقًا، ملتصقتين برغم اختلاف كل واحدة بشخصيتها وطباعها وحتى ملامحها.
-استطاعت سبيل أن تخرج من حجرها وترى عينيها أحلامها على أرض الواقع، واستطاعت سناء أن تخرج من كنف باسل وابناءها، وترى الحياة من منظرها وحدها، التغيير يستطيع أن يجعلنا نرى كل شيء بوجهة نظر مختلفة، في حالة كان التغيير على الطريق الصحيح، وهم كانوا كذلك.
*الفصل الرابع.. لم تكن الرواية متسع للرقص فقط، ولكنها كانت متسع للحياة أيضًا، في هذا الفصل تشعر بالحرية، النتيجة التي تحصل عليها عندما تقرر البوح والتحرر من كل القيود التي وضعتها أنت لنفسك قبل أن يضعها الأخرين، تفهم معنى أن البوح يرفع الثقل عن الروح والقلب، استطاعت سبيل وسناء الخروج من دوائرهم المغلقة والنظر إلى العالم بشكل جديد.
*الرواية خفيفة ومريحة للنفس، على الرغم من الضيق والألم الذي كان يصيبني كلما تحدثت سبيل عن أمها ووفاتها والموت الذي ظل يحوم حولها طوال الوقت، تجعلك الكاتبة تشعر مع الأبطال بكل مشاعرهم، متقنة جدًا في اختيارها لكلماتها ومميزة فعلًا.
*بعض الاقتباسات من الرواية:
-فقط أريد أن أُترك لحالي؛ لأقرأ فأعمل خيالي وأكتب فأحيي وجداني، شاعرة بالتحقق والاكتفاء وأن ثمة جمال ملموس وغير زائل في حياتي، أوقن أنه لن يغادرني، موجود من أجلي مهما حدث ولا يطلب مني شيئًا بالمقابل، املكه للأبد، بل أن حياة واحدة لا تكفيه، وسأقضي نحبي قبل أن أفرغ منه.
-لا أعرف كيف أٌحِب أو أُحَب، وليس للحميمية مع الأشخاص محل إعراب في حياتي، ولربما جوع القلب وجوع الروح لأشد وأقسى من جوع البطن.
-أكره الهواتف الخلوية والحسابات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وكل ما يسهل الخيانة ويضعها في متناول اليد بضغطة زر، نفوس الرجال ضعيفة وشهواتهم قريبة وضمائرهم هشة.
-موهوبة أم موهومة؟ وحدها الجربة تثبت، اتخذي قرارك حين تخوضين تجربة وتختبري نتائجها، بناء على معرفة ويقين لا عن ظن وتخمين، اعتركي مع الحياة لتجدي شيئًا حقيقيًا تكتبي عنه ما دمتِ تعرفين كيف تمسكين بقلم، أدرسي واشتغلي واختلطي بالأخرين لا تحبسي نفسك بنفسك وتضيعي أجمل وأصبى سنين عمرك.
-كيف يحتفظ المرؤ بعزة نفسه إذا ما صار مكشوفًا؟ الستر نعمة عظيمة لا يمكن أن يفرط فيها أحد بإرادته وإلا كان مختلًا كاملًا، وأنا لست أيهما.
-يتعقبني نذير الموت بضراوة ويخلف آثاره في كل شبر من حولي، أكاد أراه مقبلًا علىّ بعباءته السوداء ومنجله الحاد، ثم يتراجع في اللحظة الأخيرة ويمهلني فرصة للفرار.
