دفاتر الوراق للروائي والشاعر والصحفي الأردني جلال برجس تقع في 368صفحة المؤسسة العربية للدراسات والتشر .حازت الرواية حائزة البوكر هذا العام 2021وصدر للكاتب مؤلفات في الشعر وادب المكان والقصة .
العنوان مختار بعناية ودال على مضمون الرواية والغلاف ورسمة الكتاب المفتوح والذي تصبح صفحاته كسلم يصعد عليه شخص يحمل ريشة في رمزية على دور المثقف واهمية القراءة في إدراكه العالم .
الرواية قد تبدو صادمة قليلا وتحشد المآسي تباعا وتجعل الخسارات والمشهد القاتم طاغيا
والشخصيات في صراع لتثبت حقها بالوجود
لكن الكاتب وفق في عرض حالة التشتت والانقسام الداخلي والموقف المتأزم الذي تقف فيه الشخصيات .
يتخذ الكاتب في دفاتر الوراق من شخصية إبراهيم الوراق مفتتحا للسرد عن نموذج بائع الكتب المثقف الذي تهاوي عالمة بتحطم كشكه ومصدر رزقه
ويصف مدى تعلقه بالقراءة وكيف جذب القراء بملخصاته القصيرة وتعريفاته لها في سطور .
وتزامنا مع شعوره بالضياع والجلوس بلاعمل يتجاذبه صراعات داخلية تغمسه في اضطراب نفسي يهيا له ان بطنه منتفخا وان هناك صوتا يلازمه ويدفعه لعمل جرائم متتالية
ويحاول الهروب من الصوت بلاجدوي ويذهب فعليا للطبيب النفسي ويشرح حالته التي اقتربت من الفصام ولاحقته الهواجس ودخل في هوة اكتئاب وشعور بالخواء والتخبط
تظهر الذكريات كبوابة للنفاذ إلى عمق شخصية إبراهيم الوراق الذي رحل عن قريته الحبيبة وانتقل لعيشة مغايرة بعد عودة والده جاد الله من حبسه وقد اصابه الخوف بالفزع وتحول لولده ليحذره من كل شيء الكلام والصداقات والقراءة ولكن ولده الآخر عاهد لم يقنع بذلك ورفض وصايته .
حتى الوالدة كان لها صديقات وزيارات بالجيران
.
بينما ظل إبراهيم نسخة من والده واتبع كل أوامره التي حرمته من الخروج وحتى رؤية البحر او السفر او القراءة علنا او ارتياد المقاهي
اراد له ان يفعل كل شيء بشكل فيه حذر من الآخرين وافتراض تلصصهم وسوء نيتهم ويبدو ان ظل هناك شرخ في شخصية الاب بعد عودته نقلته إلى التفيض تماما والانغماس في الغرابة والبعد
ولكن الوالد تطول غيباته ثم يختمها بشنق نفسه في المطبخ بعدها تتغير حياة إبراهيم الوراق وينجرف نحو الانصياع للصوت الذي يدفعه للانتحار والسرقة ويبرر له كل فعل .
الرواية تكشف ثنائيات الواقع المتناقضةملقيا الضوء على صراع المثقف مع عالم يتغير نحو التطور المتسارع والرقمنة .
ويقدم لنا نماذج من الشخصيات التي تمتلك وجهين وجه معلن وآخر خفي ويبرز بعض صفات مواقع التواصل الاجتماهي ومبالغات البعض على الفضاء الافتراضي وإجادتهم تقمص العديد من الأدوار وتبديلها
وقد تكون المشاهد صادمة نسبيا والمشاهد قاتمة تكشف الفساد المستشري في المجتمع الذي يؤثر في ظهور التسول والمشردين والمهمشين والتحرش بالفتيات الذي راح ضحيته الكثيرات منهن من انهزمت مثل أسماء وماجدة وليلى .
امام السلبيات التي جابهتها ونظرة المجتمع التي تظلمهن بدون وجه حق وبدلا من دعمهن
خذلهن الجميع .
الوراق يقرر ان يمضي وقتا مميزا قبل انتحاره ويجرب كل مامنعه منه والده ويدخل المقهي ويتلذذ بطعم القهوة مع الشيكولاته ويقيم في فندق فاره .
ولكن ظهور السيدة على حافة الجسر صدفة وقراءته اعترافهااجلت من حماسه لتنفيذ الانتحار .
وجعل في قصتها توأما لقصته الحزينة ارادت الانتحار كذلك بعد ان ماتت كل عائلتها وبعد ان تغير والدها وحطم التلفاز ومنعها من الدراسة وتحول البيت إلى سجن حرمها من الحياة بكل اوجهها .
الوراق تلاحقه الكوابيس والصوت الساخر الذي يدفعه لفعل الجرائم ويختلط الوهم بالحقيقة ولا نعرف هل كانت جرائم ارتكبها ام انها تخيلها ودونها ككوابيس .
الرواية تحتفل بالأماكن وتصور بنبض الشوارع المزدحمة وتقارن الأحياء المختلفة وتجعل من البيت والاسرة موطن الذكريات والحماية يلوذ به كلما ضاق به الحال ولو انه ذكريات موجعة أحيانا فنرى والدته التي ظلت تكابد الفقر وتبيع ويداهمها السرطان ويقتلها
جيد شخصنة الصوت كإنه إنسان يصارع البطل إبراهيم الوراق وهو يحاوره ويخرجه من تقمصه لشخصيات قرأها .وعندما يسخر من جبنه ...الخ .
الوصف احيانا ياخذ منحى رمزي وخاصة عندما وصف قطعة الطلاء التي تسقط من السقف ويرتقبها ثم تهوى .
كانه يرمز لتردي الحال والفقر والفساد ..
كما يجيد وصف قريته التي تظهر دوما في مخيلته ويحن إليها
ويصف بشاعة الشخصيات المنهزمة وانسحاقها مع ظروف الحياة وتكرر سقزطها واعتيادها الانخراط في السقوط نري ذلك في نماذج سيدات يقابلهن في الشارع وفي وسائل المواصلات ..
الحديث عن الكتب كثيف بالرواية وعن الانغماس في القراءة ويحمل كذلك برغم مديحها يعرض لوجة نظر تري فيها بديلا للتغييب والانعزال وضيق الافق الذي يخفي الواقع والحقائق الفعلية وجاءهذا الراي على لسان الصوت الساخر الذي يلاحقه .
ويتصارع معه .
نشهد والدا قارئا ويوجه ابنه ليكون قارئا ولكن بشروط والده المتفلسف الخائف ولكن تغيرذلك بعد رحيل والده .
قد نلاحظ كثرة الإحالات لروايات وشخصيات يتقمصها الوراق ويتذكر دورها ويتمثله كانه مكانه ولكن نشعر احيانا ببعض التشتت لكثرة الانتقالات من شخصية لأخرى .
لكن بالنهاية ظلت الكتابة نجاة بالنسبة لإبراهيم الوراق ليكتب تلك الأوراق ليحظي بالسكينة على حد قوله .
وكانت حيلة جيدة يستخدمها الراوي ليقدم لنا الأحداث متعاقبة ومن خلال اوراق إبراهيم الوراق
الرواية بحاجة لقراءة متمهلة عميقة لاكتشاف الإسقاطات الكثيفة وفهم اللغة الرمزية وتتبع الشخصيات العديدة
نهى رجب ✏