أكملت قراءة كتاب دولة الخيمة
سيرة سياسية القذافي
تاليف مجاهد اليوسفي
منشورات ضفاف للنشر
يقع الكتاب في284 صفحة
تكلم في بداية الكتاب عن مراحل تشكيل ليبيا الجغرافي كما نراها الآن وقد استنتج حسب حقائق تاريخية أن ليبيا عرفت بالحدود الجغرافية منذ عصر حكم يوسف باشا القرملي وثم ذكر كيف استطاع يوسف باشا القرملي في السيطرة على ليبيا والقضاء على خصومه بخوضه حروب ومفاوضات أدت إلى نجاح كبير في فرض ضرائب على الحكومة الأمريكية
وقد ذكر أيضاً تاريخ تكوين مدينة البيضاء وسبب تسميتها بهذا الاسم حيث قال:
" جاء السيد السنوسي الكبير حاملًا معه في جعبته، سهامًا جديدة لم تُستخدم من قبل، أولًا نسبه الشريف المنتمي لعائلة الرسول، وثانيًا إمامته للطريقة السنوسية التي كانت قد بدأت تشهد نوعًا من الانتشار، وما إن استقر به المقام في تلك الواحة وإتمام ما توجب من ترتيبات، حتى بدأت دعوته الصوفية تتمدد خارجها نحو الشرق الليبي حتى تمكن عام 1842م من بناء اول زاوية خاصة بطريقته سُمّيت «الزاوية البيضاء»، وعلى اسمها سميت مدينة البيضاء التي بنيت فيما بعد، تقريبًا في قلب الشرق الليبي "
ثم تطرق إلى معاهدة لوزان عام 1911 التي تخلت بموجبها تركيا عن ليبيا وتركتها تواجه مصيرها
قادت العائلة السنوسية المقاومة في معظم الشرق الليبي وخاصة في منطقة الجبل الاخضر حيث برز عمر المختار، الذي كان حتى ذلك الوقت رئيسًا لإحدى الزوايا السنوسية «زاوية القصور»، وباسمهم وباتباع طريقتهم في اللين والإخلاص، قاتل عشرين سنة حتى تحول إلى رمز يمثل ليبيا في عالم الرموز، كانت زعامة الأسرة السنوسية قد وصلت إلى الحفيد «محمـد إدريس السنوسي» بعد أن فشل رهان عمه «أحمد الشريف» على موقف الأتراك الذين انقلبت عليهم أيضًا الأمور نهاية الحرب العالمية الاولى، قاد «إدريس» كما سيُعرف فيما بعد، النضال السياسي وحتى العسكري لفترة، ثم كوّن جيشًا صغيرًا أغلبه من اللاجئين الليبيين بمصر، وتقدم بهم في ظل القوات البريطانية التي كانت تنفذ مهمة إخراج الإيطاليين والألمان من ليبيا، وبعد تداعيات ومناورات سياسية عديدة أصبح «إدريس» أول ملك لليبيا المتبناة من الأمم المتحدة التي بعثت لجنة لاستطلاع الأمر، ثم مكّنت ليبيا من استقلالها عام 1951م
بعد ذلك تكلم الكاتب عن سبب عدم الاستقرار والصعوبات التي واجهت المملكة الجديد وذلك بسبب الجارة مصر وظهور زعيم جديد له توجهات قومية وطموحات لزعامة المنطقة العربية الا وهو جمال عبد الناصر
كان «ناصر» شخصية كاريزمية تامة الشروط، حضوره مُشِعّ، ويمتلك خطابًا ثوريًا خلابًا حقق به اكتساحًا شعبيًا لم يتكرر في عهد العرب، وكان وجوده بمثابة مقارنة مستمرة عند الليبيين بينه وبين صورة الملك، الذي بدا كبيرًا في السن، منعزلًا، ولا يتحدث عن الوحدة العربية وتحرير فلسطين كل يوم.
لقد مثل تألق عبد الناصر وأيضًا هزيمته تحديًا وجوديًا حقيقيًا للملكية العربية، وحتى تصمد أمام تلك الموجة من الحماس أولًا، والخيبة الرهيبة تاليًا، كان عليك أن تكون حسن الحظ في نقطتين على الأقل: أن تكون حاكمًا قويًا، وأن لا تكون جارًا له، ولم تكن أحوال الملك إدريس بجيدة في الحالتين. لقد كان لابد لمجرى السيل الذي أعقب الهزيمة أن يفيض ويعبر إلى خارج مصر، وجغرافيًا لم يكن أمامه مصبٌّ إلا ليبيا والسودان، وهو ما كان يجب أن يحصل لقد حمّلت الهزيمة التي مُني بها «القوميون» الملكية الليبية، التي كانت في طور شيخوختها، أعباءً لا قِبَل لها بها.
وفي صيف 1969م قرر الملك ترك كل هذا وراءه والذهاب في رحلته العلاجية الاستشفائية إلى اليونان ،ولكن الأجواء المتصاعدة لاحقته حتى مقر إقامته الجديد، حيث وصل ليده منشور سياسي تم تداوله بين ضيوف حفل زفاف أخ عبد العزيز عمر الشلحي مكتوب به: أنت ليس إدريس.. بل إبليس مما سبب له أزمة نفسية قرر من موجبها الاستقالة
أيام بعد ذلك نُفِّذ الانقلاب بالفعل، وجاء محمـد حسنين هيكل مبعوثًا خاصًا من عبد الناصر سريعًا للاستطلاع، وعندما سأل عن «عبد العزيز بيك» القائد المفترض بالنسبة له للانقلاب اخبروه بأنه في السجن، وأعلموه باسم القائد الحقيقي الذي يحب ان يبقى في الظل، وهو ضابط شاب نحيف في أواخر العشرينات اسمه معمر القذافي. وبالطبع نسى هيكل موضوع الشلحي في الحال
وقد ذكر الكاتب أن الثورة في ليبيا كانت في البداية ناتجة من حماس ضباط شباب قادتهم حماس الشعور بالقضية القومية الناتج من خطب جمال عبد الناصر إلى قلب نظام الحكم.
وعندما أراد جمال عبد الناصر الاستفادة من هذا الحدث وضمها إلى إنجازات توجهاته بعث فتحي الديب إلى ليبيا لكي يكون العراب الذي يوجه الدولة الجديدة ويؤسسها حسب سياسية الجارة مصر
كان السباق بين الانظمة «الثورية» نحو ليبيا قد انطلق فور قيام ثورتها، بفعل الاستقطاب الهائل الدائر حول كعكة القومية العربية بعد أن أصاب زعيمها الكثير من الوهن بعد هزيمة يونيو بعد وصول وفد القاهرة بيومين وصل وفد عراقي مهم بقيادة صالح مهمدي عماش
ثم أتى وفد من السودان بقيادة الرائد مأمور أبوزيد وبعد ذلك جاء هواري بومدين كزائر إلي ليبيا حيث بدأ الصراع بين مصر والجزائر على سيطرة على سياسة وتوجهات الحكام الجدد لليبيا
وهكذا تمضي اليوميات ونحن نرى فتحي الديب في كل مكان، يقود فريقًا كبيرًا من الخبرات التي استدعاها على دفعات، لتكون بمثابة وزارات إسناد للوزارات المعلنة، بحيث كان لكل وزير ليبي تقريبًا مستشار مصري يشرف على العمل، وبامتلاك الديب لصلاحيات عبدالناصر نفسه في ليبيا مكنه بالضرورة من امتلاك الكثيرمن صلاحيات مجلس قيادة الثورة الذي تحول عنده إلى أداة تنفيذ في كثير من الأحيان، ونراه أيضًا وقد لعب دورًا في كل حدث رئيسي من الحفاظ على أمن المجلس وقائده.
بشكل عام حاول عبد الناصر دائمًا أن يتجمّل بحسن النية تجاه ليبيا وثورتها ما استطاع. وللإنصاف لقد عانى و أيضًا من براءة واندفاع أولئك الثوار المتحمسين والمتسلحين بالأحلام.
بالنسبة لليبيين فإن عبد الناصر جاء في وقت غير مناسب وغادر في وقت غير مناسب لم يكونوا محظوظين به في مرحلة شبابه بخطبه الخلابة المحرضة، ولا في مرحلة إدراكه للعقل السياسي ونضجه الإنساني، إذ رحل سريعًا ليجد الليبيون أنفسهم فجأة بعده وحيدين مع قائدهم للمرة الأولى، فقد كان ناصر فيما سبق دائمًا حاضرًا بهيبته الأبوية بشكل ما..
أما بالنسبة للعقيد فإن القصة مختلفة بعض الشيء، لا شك أنه قد حمل مشاعر صادقة للزعيم الخالد، وقام بالثورة تحت سلطة إلهامه الشخصي، وامتثل دومًا لنصائحه، لكنه شعر أيضًا بأن الوقت ربما قد حان لوضع بصمته الخاصة التي لن تتم إلا بتجاوز ماصنعه الأب.
سرعان ما بدأت عملية تأمين الثورة وقائدها تظهر للعلن، فبعد إعلان غامض عن محاولتين أو ثلاث للانقلاب على الثورة تمت الإطاحة في أبرزها باسمين كبيرين من الشركاء هما وزيرا الدفاع «آدم الحوّاز» والداخلية «موسى أحمد»اللذان كانا من خارج المجلس، لكنهما قدّما خدمات مهمة ساهمت في حسم الأمر لصالحه، فقد قام موسى بالسيطرة على معسكر «قرنادة» الكبير في الشرق الليبي والذي يعتبر مقر قيادة القوات المتحركة أما موسى فقد كان آمر معسكر «قاريونس» الذي كان يخدم فيه القذافي بصفته ضابطًا بالجيش، وكان ليلة الثورة في حمايته، لكن هذان الضابطان من الفئة التي اتفق عبد الناصر مع البعثيين في نصيحته بعدم منحها الثقة.
والحال أنه بعد فترة قصيرة من قيام الثورة، شعر العقيد بأن مجلس قيادة الثورة لم يعد يستطع متابعة التغيرات، وأن زملاءه لا يحملون رؤية ثورية ناضجة، وإمكانياتهم الإدارية البسيطة لا تسعفهم في إكمال المهمات الموكلة اليهم.ولهذا قام بحشد جماهير غفيرة في زوارة سنة 1973م وألقى خطابا بموجبه مكنته في إزاحة رفقائه وقرأ من على المنصة خمسة نقاط بمثابة مهام يجب القيام بها الآن، أولها تعطيل كل القوانين المعمول بها فورًا، ثم القضاء على الحزبيين وأعداء الثورة ثم يضيف من وراء المايك ثلاث ثورات في ثلاث نقاط متتالية هي: إعلان «الثورة الثقافية» وإعلان «الثورة الإدارية للقضاء على البيروقراطية» وإعلان «الثورة الشعبية».
بهذا استطاع الانفراد بالحكم وعزز سلطاته في ابتكار اسلوب جديد لإدارة الحكم وسماها بنظرية العالمية الثالثة وهي إنشاء مؤتمرات شعبية في كل قرية تقرر القرارات وتحيلها إلى مؤتمر شعبي عام الذي هو بمثابة البرلمان
وفي أحد جلسات المؤتمر قرأ الرائد عبد السلام جلّود نص «إعلان قيام سلطة الشعب»، الذي أورد خطاب زوارة التاريخي «الثورة الثقافية» ومقولات «الكتاب الأخضر» كمراجع أساسية له، وأكد في ديباجته على أن العقيد هو «المفكر الثائر والقائد المعلم»، وذكر عدة نقاط منها
1. يكون الاسم الرسمي لليبيا (الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية).
2. القرآن الكريم هو شريعة مجتمع الجماهيرية.
3. السلطة الشعبية المباشرة هي أساس النظام السياسي.
4. الدفاع مسؤولية كل مواطن ومواطنة عن طريق التدريب العسكري العام وهكذا، في أول سبتمبر 1978م، يوم الذكرى التاسعة لثورة الفاتح من سبتمبر «العظيمة الآن»، صعد القذافي المنبر وأعلن قيام ثورة المنتجين الذي بموجبه مكنته من إلغاء القطاع الخاص والسيطرة على رأس مال الشعب
وفي 1977 قام بتشكيل اللجان الثورية التى قامت بما يشبه القبضة الأمنية وانتشرت في كل بقاع البلاد في بداية العقد، أواخر يناير 1990م، أثناء موسم انعقاد جلسات «المؤتمرات الشعبية الأساسية» التي ترسم سياسة البلاد، اختار القائد منطقة «بوسليم» الشعبية، المكتظة بالسكان جنوب العاصمة، جلس في مؤخرة قاعة مؤتمرها الشعبي، وأثناء الجلسة طلب مداخلة باعتباره عضو مؤتمر وكانت تلك أول مرة يتم فيها الحديث عن «الشرعية الثورية»، وذلك بعد أن «اقترح» مناقشتها في جدول الأعمال، وهو بالطبع ما حصل، إذ تحول النقاش فورًا في كل المؤتمرات الشعبية الأساسية بكامل الجماهيرية إلى مناقشة هذا الاقتراح، وبالرغم من أن الموضوع جديد، وغير مفهوم بعض الشيء، وتم إقراره في المؤتمر الشعبي العام وبهذا أصبح كلامه وتدخلاته عبارة توجيهات وهي بمثابة قانون ملزم التنفيذ تحت بند الشرعية الثورية!
وكما تطرق الكاتب إلى تدخلات العقيد في حرب الخليج الأولى بدعم إيران ضد العراق ومحاولة اغتيال مكلك المغرب وتطاوله على الملك حسين والأزمة السادات وتدخله في تشاد وأوغندا وغيرها مما أدى إلى تكوين إعداد من الجيران والمجتمع الدولي
وكان كذلك حتى احداث حرب الخليج الثالثة ومقتل صدام حسين عندها فكر في الانفتاح على الغرب وكسر العزلة وقام بمبادرة مفاجئة هو تسليم برنامجه النووي
في مارس 2004م، زار وفد يرأسه كبير الديمقراطيين بلجنة العلاقات الخارجية، بمجلس الشيوخ، نائب أوباما، ثم رئيس الولايات المتحدة فيما بعد «جوزف بايدن» الجماهيرية، وبعد لقائه القذافي قرب سرت، ألقى في اليوم التالي كلمة أمام مؤتمر الشعب العام المنعقد بمقره بالمدينة، والذي صار مقرًا رسميًا منذ وقت، قال بايدن إن الشعب الليبي لديه الإمكانيات والفُرَص، لكنه يعاني من مشكلة كبيرة هي «أيدويلوجيا مُضلِّلة» تتحكم به، وبالطبع تم قطع البث التلفزيوني المباشر للكلمة فورًا عند هذا الحد..!
عندما بدأت رياح العواصف بالهبوب على المنطقة، وخرج التونسيون إلى الشارع رافعين شعارًا لم يُسمع من قبل «الشعب يريد إسقاط النظام»، وقصّوا شريط بداية عصر جديد، أُجبِر فيه الرئيس زين العابدين على مغادرة البلاد بعد أيام تحت ضغط الناس، مما أدى إلى انزعاج العقيد من هذا الأمر ونصح التونسيين إلى التمسك برئيسهم أو تطبيق النظام الجماهيري وبعد ذلك تسارعت الأحداث في مصر ووصل الأمر إلى انطلاق الشرارة في بنغازي الذي استغلته القوى العظمى بقيادة فرنسا ساركوزي الذي استخدم كل ما بوسعيه في توجيه المعارضة إلى القضاء على القذافي وقدم لهم العون باستخدام الأمم المتحدة التي أقرت قرارات بموجبها شرعنت التدخل العسكري في البلاد واستطاعوا بعد ثمانية أشهر أن يقتلو العقيد في مسقط رأسه.
✍️ خالد مصطفى علي