سيدة إنجليزية محطمة تقرر الدخول في مغامرة خطيرة ومثيرة، رحلة في الصحراء لاكتشاف واحة غير معروفة، يصاحبها شاب مصري يعمل في خدمة بلدها، ويسافران فعلا إلى ليبيا ومنها ينطلقان إلى عمق الصحراء، ويكتشفان فعلا واحة لم يصل إليها أحد من المستكشفين.
هذه هو الخط الأساسي في رواية الكاتب والدبلوماسي محمد توفيق، "همس العقرب"، الصادرة عن دار العين للنشر والتوزيع في القاهرة.
والرواية تقوم على حدث حقيقي بالفعل، وهي الرحلة التي قامت بها الرحالة الإنجليزية الشهيرة روزيتا فوربس بصحبة محمد أحمد حسنين باشا، رائد الملك فاروق ورئيس ديوانه وزوج أمه فيما بعد، لكن بالطبع فإن أحداث الرواية لا تمت للواقع بصلة، وكل أحداثها - إلا بعض شذرات - من خيال المؤلف.
تبدأ الرواية بلقاء بين البطلين بعد سنوات من انتهاء رحلتهما، وفيه يستعيدان بعض تفاصيلها، كلُ من زاويته ورؤيته وتفسيره للأحداث، ثم نعيش معهما، بالتبادل، ما حدث فعلا في الرحلة.
في تلك الفترة كانت أوروبا تعيش مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وكان التصور أنها الحرب التي أنهت كل الحروب، وكان تأثيرها كبيرا على الجميع، بما في ذلك ممرضة مجهولة في إحدى مستشفيات لندن اسمها روز، حيث فقدت فيها حبيبا وشقيقا.
على الجانب الآخر من أوروبا كان الشاب المصري، حسين، يمر بفترة من الحيرة والتخبط، فهو رسميا يخدم المحتل الإنجليزي ولكن مشاعره مع أبناء وطنه في مطلبهم المشروع في الاستقلال والحرية.
هنا يلتقيان ويقرران - كل لأسبابه - خوض المغامرة، لعلها تنجح في استعادة توازنهما النفسي والعاطفي، وهي فكرة تليق بالفعل بذلك الزمن، حيث كان العالم كله يعيش فترة غريبة، تختلط فيها مشاعر ورغبات وأماني متضاربة سبقت الحرب وزادت بعدها، ما بين الأحلام المفرطة في الرومانسية، وخيالات البعض عن عوالم بريئة لم تلوثها الحضارة الحديثة وسحر الصحراء مع خطط الدول الاستعمارية - عبر جواسيسها في كل مكان - لمعرفة كل شيء، تحسبا لما قادم.
هذه هي الرواية الثالثة التي أقرأها عن الصحراء، الأولى كانت "فساد الأمكنة" لصبري موسى، والثانية "واحة الغروب" لبهاء طاهر.
إن الصحراء - بطبيعة الحال - عالم غريب ومثير، لا يصل الكثيرون إلى فك ألغازه وأسراره وسحره، وهذا ما يتطلب استعدادا خاصا ممن يقررون السفر إليه وفيه، والنتيجة دائما إما شفاء للروح والجسد وإما تدمير كامل لهما، ولا حلول وسط بين الإثنين، سواء ل"الغرباء" المغامرين أو لأهل تلك الصحراء وسكانها.
في الغالب فإن إلتقاء أشخاص ينتمون إلى عوالم مختلفة ومتباينة يُحدث تقاربا أو تنافرا، إيجابيا أو سلبيا، بحسب حاجة كل طرف وتفهمه للطرف الآخر، لأن كل واحد منهم يتعامل بحسب مفهومه وتصوراته المُسبقة، يتخللها ويتشابك معها بعض الفهم المتبادل لعالم الآخر، لكن ما إن يحدث اللقاء فإن المفاجآت تكون أكثر من أن تُحصى، لأن كل طرف - ومهما كان قبوله وتفهمه واستعداده - لا يفصح عن كل أسراره، وهنا يحدث الاحتكاك، خشن أو ناعم، الذي يؤجله الجميع.
إن "الغريب" بطبعه يريد معرفة واكتشاف كل شيء عن حياة الصحراء، وهو بطبعه من البداية مغامر، فإنه لا يقبل بسهولة المحاذير والخطوط الحمراء (التي تكون غالبيتها غرائبية لا يقبلها عقله المادي) من ساكني الصحراء.
جانب آخر أكثر أهمية من كل ذلك، وهو "الإنسان" داخل كل طرف، مهما كانت درجة تمدنه أو بدائيته، اعتماده على منجزات العلم الحديث أو على فطرته، وهو ما يُحدث انجذابا محفوف بالمخاطر له عواقب وخيمة على الطرفين، قد تظهر آثاره في حينه أو بعد ذلك بسنوات طويلة.