يرى البعض أن كيريكجارد عدو الفلسفة وعدو العقل أو كما يحب أن يصفه البعض أنه فيلسوف مضاد!
ما يفعله كيريكجارد أنه يبدأ ببناء منطقي عقلاني لا ثغرة فيه، ثم يصعد ويصعد ويصعد ويحلق بالعقل في ذرى قد لا يصلها من يصف نفسه أنه فيلسوف عقلاني.
ولكن مع الوصول إلى أعلى قمة عقلية ممكنة تأتي المفارقة، تأتي الإساءة للعقل، تأتي تخوم وذرى يقف عندها العقل حائرأ، أمام اللا نهائي، أمام الذي لا يسبر غوره، أمام الله، وهنا تتفرق الطرق.
فمن تصدمه المفارقة واللا محدود إما يرتد متقهقرا ،حائرا، مضطربا، يائسا يسعى لفقد ذاته في أي ما كان هاربا من إساءة المفارقة، وإما يائسا يسعى لتأكيد ذاته نافيا في يأس أبدي لا يزول وجود الله.
إذا ماذا يبقى للعقل عندما يصل إلى أعلى ذروة ممكنة، عندما يصل إلى المفارقة،واللا محدود الذي يقف أمامه العقل عاجزا، هنا لا يملك العقل سوى أن يقفز، ليس منتحرا، ولكن شجاعا يقفز مؤمنا، مقبلا، في اللانهائي ، لا ليفقد ذاته بل ليكتسبها من جديد،ليكون فردا أمام الله مسؤولا عن أفعاله،متناغما في حياته، مزيلا للإساءة التي صدمت عقله، مسلما زمامه لخالقه ومالك أمره.
الإيمان عند كيركجارد، فعل هجوم، فعل إقبال، فعل انتصار، شجاعة لا يملكها الغالبية، شجاعة تقبل المفارقة إيمانا، لا نتيجة عقلية ومنطقية، فالإيمان خطوة شجاعة فوق العقل، الإيمان لا تبرير عقلي له، لأن التبرير العقلي له دليل استحواذ، دليل تخطي للإيمان بالعقل، دليل على ألوهية العقل، لا عبوديته، دلبل على الاستحواذ وملك الملك سبحانه. أي عقلنة للإيمان اعتداء على الإيمان باسم العقل، وبذلك تستوي مقولة ". الأدلة العقلية على وجود الله" مع مقولة " الأدلة العقلية على عدم وجود الله"، فكلاهما إثبات لألوهية العقل في الأساس!