اقتباسات من كتاب المدخل إلى منهج التذوق عند محمود محمد شاكر

أن الأيدي التي تحرك الساحة الأدبية والثقافية والاجتماعية والسياسية من مراكزها جنَّدَتْ لعملها الإعلامَ ليكون صوتها الذي يصل إلى كل الناس، وما دامت تتحكم في الإعلام والصحافة والتعليم فإن استغلال هذه الوسائل لنشر أفكارها ومذاهبها يقرب الأهداف التي يسعى إليها القوم فمن يسير في ركبهم ويحدو لمذهبهم، فإنهم يحيطون به هالة كبيرة من التعظيم والتبجيل، ويصنعون منه بطلا في فنه الذي يحسنه أو لا يحسنه، بطلا لا يخطئ ولا يزل أبدا، ويلفتون الأنظار إليه من كل وجه، ويقدمونه نموذجا للتقدم والإبداع والرقي الحضاري، ولو كان بطلا من ورق يحمل سيفا من خشب وأما من يخالفهم فهو على النقيض تماما، يجاهدون

فإن حال العربية اليوم –ليس في مصر وحدها، بل في كل بلاد العرب- في ضعف مستمر، ولا تزال تعاني من احتقار أبنائها لها وانصرافهم إلى لغات الغالبين، يظنون أن التقدم في أن تلبس لباس عدوك وتتحدث لغته، وأشد حالات التحقير ما نراه من إسناد مهمة التدريس إلى طلبة مفرغين من ثقافتهم تفريغا كاملا، لا يحسنون ينطقون العربيةَ سليمة، ولا يعرفون من آدابها شيئا ذا بال، ولا يفهمون من أشعارها قليلا ولا كثيرا، فضلا عن أن يحفظوه،

إذ ليس السير على خطى شيخك أن تكتب بأسلوبه وتعبر بألفاظه وتستدل بأدلته وطريقته.. إنما الأمر أكبر من ذلك.. وهو أن تصنع أسلوبك المنفرد وتسير في الطريق قادرا على السير فيه وحدك.. وتبذل الجهد لتحقق ما لم يستطع شيخك تحقيقه.. وهذا وحده ما يجعلك سائرا على خطاه..

‫ وقد تأملت في هذه العلاقة بين الرجلين وأثر الرافعي في أبي فهر، فبدا لي كأن الفرق بين الرافعي وشاكر هو أن الأول أديب القلوب.. والثاني أديب العقول..

فإن المرء محتاج دائما أن يكون له شيخٌ يقوده ويعلمه ويوجهه، فيراه خير معلم له، ومثلٌ أعلى يطمح في بلوغ مرتبته

وعلمني كتاب «سيبويه» يومئذ أن «اللغة» هي الوجه الآخر للرياضيات العليا، ومن يومئذ صارت «الكلمة» عندي هي الحياة نفسها، هي نفسي، هي عقلي، هي فكري، هي سر وجودي ووجود ما حولي

وعلمتُ أنَّ الأمر كلَّه في العمل لا في الأسماء والألقاب