كعادتي عند السفر إلى بلد جديد أختار رواية تنتمي إلى ذلك البلد وهو ما جعلني في رحلتي إلى تونس أصطحب معي زهرة جارة سي عاشور في رواية الكاتب الحبيب السالمي " الاشتياق إلى الجارة". ورغم أن عوالم الرواية تدور بشكل أساسي في باريس إلا أن تونس كانت الأكثر حضورا، ربما في اشتياق بطل الرواية إلى رائحة وطنه الأم وإيجاد بعض منها في زهرة، الخادمة التونسية الأمية التي تسكن في العمارة نفسها التي يسكن فيها، هو الأستاذ الجامعي المثقف. لم يكن لدى زهرة ظاهريا ما يغريه كرجل تونسي ستيني متزوج من فرنسية يحبها لكنه شيئا فشيئا يتورط في التعلق بجارته الخمسينية رغم اعتقاده أنه قادر على السيطرة على مشاعره ودخوله في لعبة خطرة يسميها لعبة الإغراء.
في رحلتي من برلين إلى مطار تونس قرطاج لم أترك الرواية من يدي، كنت مستمتعة بها إلى درجة جنبتني خوفي من الطيران. كنت متماهية مع مشاعر سي عاشور ومتعاطفة معه ومستمتعة بعظمة التقاط تلك التفاصيل التي تكون صورة رجل مرتبك أمام سيل مشاعر لم يفهمها في البداية. كل ذلك من خلال لغة بسيطة وواضحة خالية من الزخرفة المدعية، وهي لغة منطقية بالنسبة إلى شخصية أستاذ جامعي لمادة الرياضيات ويعيش في فرنسا منذ شبابه. ربما هذا ما جعلني أستغرب بعض المراجعات على موقع غود ريدز التي انتقدت لغة العمل واعتبرته بسيطا أكثر من اللازم.
رواية الاشتياق إلى الجارة هي رواية مغامرة بالنسبة إلى الكاتب، فهي في اعتقادي من نوع الروايات التي يمكن للمرء أن يحبها بشدة أو يكرهها بشدة وربما هذا يفسر أيضا تباين تقييم مراجعات القراء في الاتجاهين السلبي والإيجابي. شخصيا أحببت الرواية بشدة وأحببت قدرة الحبيب السالمي في كتابة رواية متماسكة بناء على حكاية بسيطة لكنها تقطر بمشاعر متضاربة بين الاشتياق وتأنيب الضمير والغيرة والاشتهاء والشك وفقدان السيطرة على الأحاسيس أو كما جاء في الرواية "هشاشة والتباس علاقة المرأة والرجل وكيف يمكن لنظرة عابرة أو حركة تلقائية أو ضحكة أو ابتسامة أو حتى رائحة ما أن تحول هذه العلاقة فتتخذ منحى آخر لم يكن ليخطر على بالنا."
من الممكن والمشروع أن نقرأ الرواية ونحن نحاول فك رموزها باعتبار زهرة هي رمز للوطن تونس واشتياق سي عاشور لها هو اشتياق لوطنه ولصورة أمه الراحلة التي يستحضرها في عدة مواقع من الرواية، كما يمكن من خلالها أيضا تناول الهوة بين النخب الثقافية و عامة الناس وكذا أسئلة الهوية والهجرة والاغتراب لكني أفضل كقارئة على الأقل الابتعاد عن لعبة الرموز والتركيز في جمالية هذا العمل والقصة نفسها وتفاصيلها.
احتوت الرواية أيضا على مشاهد وحوارات طريفة تبرز التباين الثقافي الكبير بين البطل سي عاشور و حبيبته زهرة، كالحوار الذي دار عن رواية عرس الزين للكاتب السوداني طيب صالح، عندما أعجبت زهرة بغلافها وسألت سي عاشور عن عنوانه فأجاب:
" عرس الزين" فاندهشت زهرة وسألته: " الزين! الكتاب عن عرس الزين الذي كان رئيسنا؟!" في إشارة إلى الرئيس التونسي زين العابدين بن علي