"نعم، لنر. سيكون هناك غزة قريباً. غزة من جديد ودائماً غزة. تعود مثل كيد عليك يرتد. على الضرب مصممة وللموت جاهزة. تموت وتحيا في الآن ذاته. (…) لطالما أنجبَت في كل مكان أطفالاً وحطاماً وغباراً وركاماً ووحوشاً لتحميها. لا تُقْهَر، غزّتي. (…) غزتي لا نهائية خالدة. تطل على البحر، تواجه تهديد انتهاكها وانفتاحها. تنوء بأحزان وهشاشة جرحاها، (…) معجونة بلحم بشري، تقاوم كما دأبت منذ فجر التاريخ. (…) غزتي الحرب الأخيرة وغزة الحروب القادمة لا محالة." - بيت النقب لسوزان الفرا 🇵🇸
ما أشبه اليوم بالبارحة! تحدثنا سوزان الفرا في هذه الرواية (التي كتبتها منذ أكثر من عقد من الزمان بالفرنسية وترجمتها ندى الأزهري إلى العربية) عن واقع حال قطاع غزة الرازح تحت أغلال الحصار والعزلة، وعن صمود أهله في وجه طغيان المستعمر المتحرش دوماً، الخسيس أبداً، فكأنها تتحدث عن وقائع أيامنا هذه، فهاهي غزة تُدَك مجدداً وهاهي الأجواء التي عشناها مسبقاً ونعرفها جيداً: العجز العربي الذي لا يتعدى "الإعراب عن القلق"، السيمفونية الأوروبية التي لا تحمل سوى جملة موسيقية واحدة مفادها "ضرورة ضبط النفس"، والتأييد الأمريكي المطلق بصرف النظر عن حجم الخسائر ونطاق المجازر.
تروى لنا الفرا وقائع رحلتها إلى الضفة وتل أبيب ويافا وعكا وغزة قبل وصولها إلى بيت عائلة والدتها في بئر سبع المحتلة، والذي صار كنيّساً، وذلك بعد أن انتقلت العائلة ما بين السعودية ثم الجزائر وفرنسا عقب النكبة. تصف لنا الفرا مشاعر الشتات عن قرب وعن تجربة حية تنتقل من جيل إلى جيل:
"لعل المنفى وراثي، دروبه مرسومة لنا واستمراريته مقدّرة على حياتنا، (…) وديعتنا الثمينة التي نورثها للأبناء كما لغيرهم."
أعتقد صدقاً أن الأدب الفلسطيني هو أحد أمضى الأسلحة في صراع الوجود، وأحد أرقى أشكال المقاومة في عالم لا يرى في الكوارث الإنسانية سوى رومانسيتها: أقسم بالتين والزيتون، أن أشعار محمود درويش وقصص غسان كنفاني ستكون أطول عمراً من الاحتلال.
#Camel_bookreviews