اصطناع الماضي
تأليف
ثامر عباس
(تأليف)
"للوهلة الأولى تبدو عبارة الماضي بريئة من المقاصد الرمزية ومحايدة عن التضمينات القيمية التي اعتادت الجماعات البشرية على الاعتقاد بها والاحتكام إليها والشروع منها ، حين تلوح في أفق حياتها عواصف الأزمات السياسية والتوترات الدينية والانقسامات الاجتماعية والاحتقانات النفسية والانعطافات التاريخية ، باستثناء كونها تشير إلى صيغة زمنية مضى أوانها وانقضى عهدها وتصرّم أمدها ، وبالتالي فهي عبارة تقع خارج السياقات الاجتماعية والحضارية والتاريخية الحديثة والمعاصرة . بيد أن الحقيقة هي إننا لو أنعمنا النظر بتلك الكلمة الماضي سنجدها مثخنة بالدلالات ومكتنزة بالمعاني ومشحونة بالإيحاءات المبثوثة في كل زاوية من زوايا الوعي ، والقارة في كل ركن من أركان الواقع . فهي ، والحالة هذه ، من العبارات التي تضمر وتخفي أكثر مما تظهر وتفصح ، وتكتم وتستر أكثر مما تعلن وتبيح . لا بل يمكن القول أنها عبارة ملتبسة المعنى وإشكالية الدلالة وغامضة الإيحاءات بامتياز ، خصوصا""في المجتمعات العتيقة القديمة التي تمتاز مكوناتها بتعدد الأديان المذاهب ، وتنوع الأعراق الأقوام ، وتباين القبائل العشائر وتغاير اللغات اللهجات . ولذلك فقد شبّه المؤرخ الفرنسي فرانسوا هارتوغ دلالة مفهوم الماضي بمثابة خزان من التصورات الخيالية للأفعال الممكنة ، حيث ننطلق من أساطير الأصل إلى ذكريات حديثة العهد ، من انفصال الأرض عن السماء إلى تثبيت حدود الجماعة ، من الإلهي إلى الإنساني ، من المجرد إلى العياني ، من العام إلى الفردي