التراث الثقافي كفعل مقاومة: صناعة الأغباني في دمشق نموذجاً
تأليف
ديمة نشاوي
(تأليف)
تشكّل الحرب تهديداً حقيقيّاً للتراث غير المادّيّ متمثّلاً بالصناعات التقليديّة، ومنها: صناعة الأغباني، وعلى الرغم من ذلك ما زالت الصناعة قائمةً في مدينة دمشق حتّى الآن، إلّا أنّ ظروف إنتاجه قد تبدّلت؛ بسبب النزوح، وتدمير البيئة المكانيّة للصناعة، ونقص الموارد البشريّة، والمواد الأوّليّة، وتحدّيات السوق والتسويق.
يتناول البحث السؤال عمّا إذا تشكّل لدى العاملين/ات في صناعة الأغباني الدوافع لإيجاد آلياتٍ وحلولٍ تسْهِم في صَوْن الصناعة من الاندثار، وهل من الممكن أن تكون التحدّيات الناشئة قد أسْهمت في تعزيز القيمة التراثيّة لديهم، لِكَون الصناعة جزءاً من تراثهم الثقافيّ غير المادّيّ الذي يُعدّ انعكاساً لهويّتهم الثقافيّة، وهل يمكن أن تُصنّف هذه الدوافع تحت مفهوم المقاومة الثقافيّة؟
تأتي أهميّة البحث من كونه من الأبحاث القلّة التي تناولت صناعة الأغباني عموماً، وفي الفترة ما بين 2011-2018 خصوصاً، فهو يسعى إلى سدّ ثغرةٍ معرفيّةٍ عن تاريخ الصناعة، وأحوالها، وتحليلها، والمشاركة من خلال الدراسة الميدانيّة في مدينة دمشق نموذجاً لاستقصاء الحلول والتوصيات، من الفاعلين/ات أنفسهم؛ لِصَون الصناعة.
يركّز البحث على رصْد تأثير الحرب على دوافع العاملين/ات، والمعنيّين/ات في الصناعة، للاستمرار في العمل والإنتاج، ورصْد استجابات المؤسّسات المعنيّة، الحكوميّة وغير الحكوميّة، والحلول المستحدثة لتجاوز العقبات والمخاطر التي تهدّد الصناعة، إضافةً إلى هدفٍ توثيقيٍّ يُعْنى بتاريخ الصناعة وتطوّرها قبْل 2011 وبعدها.
يتّبع البحث المنهجيّة الكيفيّة، والمقابلة شبه المنظّمة المعمّقة، لجمْع المعلومات من تجّار وحِرَفيّي/ات الصناعة ضمن مدينة دمشق؛ أمّا عيّنة البحث، فهي عيّنةٌ غير عشوائيّة، غرضيّة، ممثّلة بالعاملين/ات في صناعة الأغباني من تجّار وحِرَفيّين/ات، واخْتيرَ عدد المقابلات بما يتوافق مع الوقت والموارد المتاحة، بالاعتماد على علاقاتٍ اجتماعيّةٍ معرفيّةٍ سابقة. بلغت مدّة المقابلات قُرابة الساعة، سبقتها جولةٌ استكشافيّةٌ، واستقصاءٌ أوّليٌّ لمجتمع البحث.
استطاع البحث استخلاص مجموعةٍ من المعلومات المتعلّقة باستجابات المؤسّسات الحكوميّة، وغير الحكوميّة، ومدى فعاليّة الإجراءات المتّخذة في عمليّة تطوّر مجتمع الصناعة، وتوصّل البحث إلى أنّ دوافع الأفراد، وتمسّكهم بالصناعة لارتباطها بهويّتهم هو شكلٌ من أشكال المقاومة الثقافيّة؛ حيث أبْدوا مرونةً في التأقلم مع المتغيّرات لضمان صَون تراثهم غير المادّيّ، وتناقله إلى الأجيال القادمة.