حاولت أن أكتب قصيدة حب
ولكن القصائد لا تقول ما نقصد أبدًا
أو ربما تقول ما نقصده بدقّة
بينما لا نعرف ما نحاول قوْله
عشرون بطاقة بريدية
نبذة عن الكتاب
يرتبط شعر «فرانك بايس» ارتباطًا حميمًا بالأسفار. مطارات ومرافئ، طائرات وسفن، تعلن في أبياته عن جيئة وذهاب، مدن تُزار ويُنزع إليها: شيكاغو، نيويورك، براغ، وغيرها الكثير. أعماله، حيث يلتقي العالم عند نقطة، تنقطع عن مركزها مبحرةً شأن «أضواء [...] تصير قوارب»: وقد قوبلت بحفاوة في مسقط رأسه، جمهورية الدومينيكان، ومن ثم نُشرت على نطاق واسع في كل من أمريكا اللاتينية وإسبانيا، كما تُرجمت إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والسويدية. والآن، ومع صدور «عشرون بطاقة بريدية»، تُقدم لأول مرة باللغة العربية بفضل ترجمة مارك جمال. وإذ أتذوق قصائد «فرانك بايس» من جديد، أدرك أن أعماله تهيئ أسفاره، وتستشرف حجّاته. فنقرأ في قصيدته «في دامِن»: «وفيما أكتبُ، تزدحم هذه القصيدة أكثر فأكثر بناس لا أعرفهم، قراء لم ألتقِ بهم قط، بقرائي الأوروبيين، الصينيين، الأرجنتينيين، العرب...» ويروق لي التفكير بأن «فرانك» قد أعلن عن وصوله إلى أرض القاهرة، إحدى عواصم الثقافة في العالم العربي، بتلك الأبيات المكتوبة منذ ما يقرب من عشرة أعوام. وعلى الرغم من أن واقعية قصائد «فرانك بايس» والشفافية التي تتسم بها تشدّان كتاباته إلى الحاضر وإلى الأجواء المألوفة، فقصائده لا تكف عن كونها خفيفةً، طافيةً. بنثرياته، يلطِّخ «فرانك بايس»، ويصقل ويسوِّي، بقدمين راسختين على الأرض: مُطلقًا أبياته في مدار حيث تتخللها الرياح، تنعشها وتنثرها في أرجاء القارات، تلك الرياح التي تهب في «شيكاغو»، وتحمل شَعر الرأس «كما تذرو الأوراق المتساقطة عن الأشجار». هكذا تسافر القصائد، متجاوزة الجمارك والحدود في المقام الأول. ولأن الأدب الجيد يشقُّ طريقًا لنفسه، ويصل إلى من ينتظره من القراء، هكذا نجد كتب «جابرييل جارثيا ماركيز» باللغة العربية فوق أرصفة وسط البلد بالقاهرة. فضلًا عن طبعات شعبية من أعمال «بورخيس» و«ساراماجو» و«بارجاس يوسا» المترجمة. وتُضاف إلى هذا الاهتمام الوثيق، الذي ينصبُّ على الكلاسيكيات الحديثة للآداب الإسبانية والبرتغالية، مبادرات أُطلقت في الفترة الأخيرة ترمي إلى تقديم بانوراما أكثر عصريةً وتنوعًا لآداب أمريكا اللاتينية في مصر. وقد مهدت الطريق دور نشر مستقلة، صغيرة ومتوسطة على حد سواء، يدًا بيد مع مترجمين يتميزون بالفضول والقدرة على التأقلم في يسر شأن مارك جمال. وتجدر الإشارة إلى أن غالبية تلك المشروعات قد تحققت من خلال برامج داعمة للترجمة تتبناها دول من أمريكا اللاتينية مثل كولومبيا والأرجنتين، أو بفضل التشجيع المثابر للبعثات الدبلوماسية بالقاهرة. أما فيما يتصل بـ«20 بطاقة بريدية» لـ«فرانك بايس»، فهو نتاج التعاون المثمر بين دار صفصافة للنشر وسفارة جمهورية الدومينيكان بمصر. وفضلًا عن التيمات الكونية كالحب أو مضي الزمن أو الإلهام، فضلًا عن الأصداء أو الاقتباسات المأخوذة عن كبار الأدباء العالميين كـ«بولانيو» أو «پيسوا» أو «كيبيدو» على سبيل المثال، يرجح أن يجد القارئ المصري في قصائد «فرانك بايس» طُرقًا تؤدي بالقارئ إلى بيته من حيث لا يحتسب: إلى بزوغ نجم ما يعرف باسم جيل التسعينيات في مصر والطفرة التي مثّلها. فكلُّ من اللغة اليسيرة، تدفُّق الحياة اليومية، السخرية، الدعابة وتَصَوُّر الشاعر باعتباره شخصًا بمنأى عن أيِّ شكل من أشكال البطولة، يمدّ جسورًا بين كونين على غاية من التباين فيما يظهر، شأن الكاريبي والشرق الأوسط. وقبيل الختام، أود الإشارة إلى الحضور الخافي لإيمان مرسال بين ثنايا «20 بطاقة بريدية»، وهي الشاعرة التي تعرف إليها القارئ خلال التسعينيات المصرية سالفة الذكر. إذ التقى «فرانك بايس» بإيمان مرسال في مهرجان الشعر المقام في «جرانادا» بنيكاراجوا عام 2013. وفي كتاب له عن المهرجان بعنوان «لا أحد ينام في جرانادا»، يرسم «فرانك بايس» إيمان مرسال وسط شخوص أرِقة مبتهجة في طريقهم من بحيرة «نيكاراجوا» إلى بركان «مومباتشو». يجلس «فرانك» مع إيمان بمنأى عن صخب المهرجان لمراجعة ترجمة بعض من قصائدها إلى الإسبانية بغرض نشرها في إسبانيا. ومنذ بضعة أشهر، تحمست رفيقة «لا أحد ينام في جرانادا» لمشروع «20 بطاقة بريدية»، وقبلت بسخاء أن تقرأ ترجمة مارك جمال في حديث صاحَب نقل قصائد «فرانك بايس» إلى العربية، كانت من ثماره مقترحات تتسم بالدقّة. وإذا كان الشرق عند «فلوبير» يبدأ في القاهرة، فالقاهرة عند «فرانك بايس» قد بدأت في نيكاراجوا، وفي قصيدته «في دامِن»، حيث استشرف حديثًا - يبدأ أخيرًا - يجمع بينه وبين قرائه العرب. ديفيد بويجالتصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2016
- 75 صفحة
- [ردمك 13] 9789775154682
- دار صفصافة للنشر
تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد
تحميل الكتاب
49 مشاركة