أربع شفاه ولسان واحد
تأليف
محمد طمليه
(تأليف)
هل يتذكَّرُ أحدٌ مِنكم يومه المدرسيّ الأوَّل؟ أنا أتذكَّر، مع الكثير مِن الغَبَش، أنَّني كنتُ طفلًا. أقسم أنَّني لا أكذب: كنتُ طفلًا بالفعل.. طفلًا حقيقيًّا، ولكن دون إضافات..
أخَذَتني أمّي إلى المدرسة. ترَكَتْني هناك: ها أنذا، مرَّة أخرى، وحدي. ها أنذا، مرَّة أخرى، في رحمٍ جديد... رحمٌ مؤثَّثٌ... له مدير... وفيه معلِّم يقول أشياء لا أفهمها... وعقوبة غير مألوفة إذا سقط القلم سهوًا مِن يدي... ودمعة أذرفها خلسة.
مدرسة... ونشيد تعلَّمتُهُ عنوة... وقلم رصاص فطعتُهُ جرّاء الارتباك... وزميلٌ يبكي في المقعد الأماميّ... و«سبورة» سوداء يمحو عنها المُعلِّم خربشات غير متقنة لنا.
مدرسة... ورغبة في التبوُّل لا أجرؤ على الإعلان عنها.. و«مطرق رمّان» يحمله المُعلِّم من قبيل التحسُّب والاحتراز.. و«عريف» تمَّ تعيينه على عجل.. وجرس يرنُّ دون أن نفهم الدَّواعي.. وخروجٌ بعد الحصّة الثالثة: إفراجٌ مؤقَّتٌ نُمارس خلاله الذُّهول والدَّهشة... وننظر إلى الأفق... حيث البيوت... الأمَّهات... طنجرة الطعام فوق «بابور الكاز».. الأشقّاء الذين تلاصقوا أثناء النَّوم.. حكايات ترويها «أم العبد».
الزَّيت والزَّعتر في الصَّباح الباكر.. الحقيبة المليئة بكُتُب لا تلزم.. العصا التي يحملها مربّي الصَّف.. هيبة المدير.. جدول الضَّرب.. الإغفاء في الحصَّة الرّابعة.. الرُّسوم المدرسيّة التي نعجز عن دفعها.. قائمة المُشاغين على «اللوح».. أقلام الرَّصاص المفطوعة.. العقوبة لأيّ سبب.
«سارة» طفلة ترفَّعَت إلى الصفّ الثّاني.. «وائل» ترفَّع إلى الصفّ الخامس. «رنا» رسَبَت في الحساب. «دعاء» تفوَّقَت. «زينة» عوقبت لأنَّها تأخَّرَت عن الدَّوام. «لمى» صارت عريفة الصفّ.. «محمد طمّليه» غادَرَ المدرسة بحُكم التَّقادُم: أين يذهب؟ ما نوع المأوى الذي يلجأ إليه رجلٌ لفَظَتْهُ المّدارس...؟
الشَّيخوخة مغارة نلتحق بها بعد أن ننجح في الأوَّل الابتدائي. التَّجاعيد أوسمة. الترهُّل مصروفٌ يوميّ. انحناء الظَّهر درسٌ خصوصيّ. التَّعبُ تلميذٌ مجتهد. الزَّوجة عطلة صيفيّة طويلة. راتب الوظيفة «ساندويشة» نأكلها في الفسحة بعد الحصّة الثّالثة. الشّيب في الرأس طباشير. الدُّموع نافذةٌ في غرفةِ الصفّ. دقّاتُ القلبِ جرسٌ يرنُّ مُعلنًا عن انتهاء اليوم.. انتهاء العُمر.