الإنتاج الفلسفي في الفكر العربي المعاصر في أطروحات ناصيف نصار
تأليف
عبد الواحد آيت الزين
(تأليف)
ألم يَحن الوقت بعد لدخُولِ غِمَار «تَجربَة اليُتْم»؟ أَقَدَرُ الفكر العربي المعاصر أنْ يَرهنَ آباؤه آفاقَ آلِهِ؟ ما بالُ هذهِ «الأبويّة»، تَلتهمُ مَساحَات واسِعة، تخطّت واجب التّوقِير اللاّزمِ لـ«الأَب»، إلى تحويلٍ عنيفٍ مَسَّهُ حتى أضحى أقنوماً طاغياً؟ أبويّةٌ رهيبةٌ، تلكَ التي اسْتمكنَت من «وَعيٍ» (عَربيّ) وُلدَ كَهْلاً: بل، قُل شَيخاً في بَادئَة عُمرِه؟ حَالَ بَينهُ وبَينَ طُفولتِه (نموّه الطبيعي) هموم اعْترضَتْه بَغتَةً، فلا هو كان مُهيئاً لها، ولا هي أَتاحَت لهُ فرصةَ التعرفِ إليها قبل مُصافحتهَا. النّتيجةُ، وعطفاً على المعجم الرّشيقِ لفتْحي المسْكيني، كُهولةٌ مبكّرةٌ، لِفكرٍ لم يُقدّر لهُ أن يَحيا صِباهُ.
تَقودُ الإيماءات الآنفة الذّكْر إلى إشكال صريحٍ يضمُّ أشتاتها، يتعلّقُ أساساً بـ«الإبداع الفلسفي»، وشَكلُ نَظرِ الفِكر الفلسفي العربي لمقتضياته، وما انتهى إليه من أطروحات في شأنه، وبالأخص ما اتصل منها بتنظيم علاقته بالفلسفة الإسلاميّة الوسيطة من ناحية، والفلسفَة الغَربيّة من ناحيَة ثانيَة. وفي مُحاولَتِنَا التمَاس بَعضِ عَناصِر مُقاربَتِها، لاَحَ لنا، أنّ مِن مُستوجبَات اسْتِتْمَامِهَا إنجَاز قِراءَة تَحليليّة نَقديّة لأَظهَّر النّصُوص التي شَغلهَا هَاجسُ الإبداع الفلسفي، فَبلغَ بنا الأمر إلى الوقوف عند نُصوص: مُحمد عابِد الجَابري، وطهَ عبد الرحمن، وناصِيف نَصّار، وفَتحي المسْكِيني… إلخ، لمساءلة تصوّراتهم في شأن حدود وإمكانات كل قولٍ بـ«فلسفة عربية مُعاصرة» لا تزال نصوصها مهجوسة بـ«نَموذَج» بِآيهِ تَقتدِي وتَهتدِي. هذا ما عَملْنا جُهدَنا لبَيان التباسَاته ومُفارقاتِه، انطلاقاً من افتراضٍ منهجيّ، خلْنَا فيهِ أن أطروحَة نصّار في «فلسفة الحُضور» علامة على مسار فلسفي عربي، أفلَح في التحرر مما انسجَن فيهِ غيرهُ.