يشغلني كثيرا اختلاف شخصيات البشر وتنوعها الكبير والذي يظهر في تباين الكلام والأفعال عند التعرض لنفس الموقف، فنجد من ينفعل ويشجب ويندد ومن ينسحب ويجلس هادئا عند اشتداد حدة النقاش على سبيل المثال.
قرأت كثيرا عن الفارق بين شخصيتي الانطوائي introvert والانبساطي extrovert وأهم سماتهما والفارق بينهما ولعل المزحة الشهيرة بين رد فعل كلاهما على الحجر الصحي في فترة كورونا يعطينا لمحة بسيطة عن أهم الاختلافات الواضحة للعيان بينهما.
فأحدهما يرحب بالعزلة والهدوء والآخر العكس مع ما يصاحب ذلك من مزايا وعقبات فلا يمكن اعتبار السمة مزية إلا إذا استطعنا التغلب على ما قد تجلبه من عقبة.
بالطبع لا يمكن تصنيف الناس بإما كذا أو كذا بطريقة قاطعة. بل أغلبهم يقعون تحت منحني الجرس الشهير، فيكونون انطوائيين مع لمحة انبساطية تزيد وتنقص تبعا لموقعهم على خط الانطوائية-الانبساطية كما أشارت له المؤلفة والعكس صحيح بالطبع بالنسبة للانبساطيين.
الكتاب مكرس بالكامل للانطوائيين بمزايا شخصياتهم وكيفية الاستفادة منها، وعقباتها وكيفية التغلب عليها في الحياة العامة والعملية، وعلى الرغم من ذلك فهو مهم جدا للانبساطيين لتوضيح أن الانطوائي أو الهادئ - كما وصف في الكتاب وهي التسمية الأفضل- ليس كائنا عجيبا وليس كما يصور للناس أنه إما شخص مهزوز "غلبان" يستحق العطف والشفقة أو شخص عدو للبشر ينفر منه الجميع، بل شخص عادي يملك مزايا وعقبات كما أشرنا سابقا.
ولكنه يتعامل مع ذاته ومع العالم من حوله بطريقة أخرى قد لا يفهمها العالم الانبساطي - وهو العالم الذي يشجع ويروج للاتجاه الانبساطي فقط- ولكنها تستحق الاحترام منه ومحاولة الفهم والتفهم.
الكتاب جيد ويطرح حقائق مهمة وحلولا عملية وواقعية للانطوائي، بالذات لصغار السن والخبرة، ولمن تشربوا فكرة انهم مختلفون ويجب عليهم الانسلاخ من شخصياتهم ليرحب بهم المجتمع الذي يعطي الأفضلية للانبساطي . هذا الكتاب سيساعدهم على تقبل أنفسهم ومعرفة نقاط القوة والضعف باعتبارهم شخصيات عادية وليسوا غريبي الأطوار كما يحلو للبعض أن يصفهم.
لذلك فخطأ ترجمة العنوان يعد قاتلا، فالعنوان بالإنجليزية هو how to be a successful introvert ، او كيف تكون "انطوائيا" ناجحا وليس انبساطيا، الخطأ مضاعف، بترجمة خاطئة كليا، وبمساهمتها في الإيحاء بموضوع عكس ما تضمنه الكتاب.
الكتاب - كما ذكرت- يساعد الانطوائي على تقبل نفسه وتفهم احتياجاتها وليس الانسلاخ عنها والتحول لانبساطي كما يوحي العنوان!
خطأ سخيف لا يصح أن يصدر من دار نشر محترمة كالعبيكان!