كل شيء هادئ على الجبهة الغربية..
تتحدث هذه الرواية عن أهوال الحرب العالمية الأولى.. هل تتخيل أنهم كانوا يقنعون طلاب المدارس للاشتراك في تلك الحرب الرهيبة التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ويخدعونهم بشعارات الوطنية، - رغم أن الحرب قامت بالأساس لأسباب سياسية - ليدفعونهم إلى الاشتراك في الحرب، ويلقون بهم في هذا الجحيم المستعر دون تدريب كافٍ، ليحصدهم الموت حصدًا، إذا كانوا سعيدي الحظ، أو يعيشون بإعاقة دائمة، وهم في ريعان شبابهم.
إذا سألت أحد هؤلاء: لماذا تحارب؟ لن تحصل على إجابة.. الساسة هم من قرروا ذلك، الساسة هم من يشعلون تلك الحروب الرهيبة، الحروب التي يشترك فيها أبناء الفقراء، في حين يبقى أبناء السادة بعيدين عن ذلك الجحيم، ورغم ذلك هم من يحصدون النتائج!
باول بومر شاب ألماني في الثامنة عشرة من عمره، انخدع بشعارات الحرب البراقة، وترك دراسته ليلتحق بالجيش، ويطبق ما تعلمه من مناهج التدريب العسكرية: اقتل عدوك قبل أن يقتلك.. انتزع الفرصة من عدوك لكي تبقى على قيد الحياة، ولكي تحقق الانتصار!
وفجأة وبينما يختبئ في أحد الخنادق يراقب الأعداء، إذ بجندي من الأعداء يسقط في خندقه، وقبل أن ينهض الجندي، وينتبه إلى ما يدور حوله، بادره باول بطعنة في صدره.. لم يتمكن باول من الخروج من الخندق، وحاول أن يطعن الجندي ثانية ويقتله، لكنه لم يستطع، لأول مرة يكون بالقرب من أحد جنود الأعداء إلى هذا الحد، ولأول مرة يدرك أنه شاب في مثل عمره، انضم إلى تلك الحرب رغمًا عنه، شاب له أحلامه وطموحاته، وله أم تنتظره، وإخوة يحبونه.. لأول مرة يراه إنسانًا، وليس وحشًا كما يصورهم القادة..
نظر في عينيه فرأى فيهما مشاعر وأحاسيس، قرأ فيهما مشاعر إنسان جريح ومحاصر، لا يستطيع الفرار من عدو يريد القضاء عليه.. في عينيه رأى إرادة الهروب من الموت، لكن جسده لا يقوى على ذلك.. نظرة إنسانية مؤلمة لا يمكن نسيانها إلى الأبد..
حاول إسعافه بقدر ما استطاع، لكن الشاب لفظ أنفاسه بعد عذاب رهيب..
هنا أدرك باول حقيقة تلك الحرب المريرة التي نزعت آدميته، وأدرك أن المنتصر الوحيد فيها هو الموت، وأن المستفيد منها هم الساسة، وليس هؤلاء الجنود البؤساء الذين تم خداعهم باسم الوطنية الكاذبة..
قال للجندي بندم هائل:
لم أكن أنوي قتلك يا رفيق، ولو وثبت إلى هنا مرة ثانية، فلن أفعل شيئاً يضرّك..
للمرة الأولى أراك إنسان مثلي.. كنت أفكر من قبل في قنبلتك اليدوية، وفي حربتك، وفي بندقيتك، أما الآن فلست أرى إلا زوجتك.. ووجهك.. وزمالتك.
اغفر لي أيها الرفيق واصفح عني، فنحن لا نفتح أعيننا إلا بعد فوات الأوان.
لم لا يقال لنا أنكم بؤساء مثلنا، وأن أمهاتكم يتلهفن لوعةً وجزعاً مثل أمهاتنا، وأننا جميعا نشترك في الخوف من الموت، وأننا كلنا سواء في الموت ونزاعه؟
اصفح عني أيها الرفيق.. كيف يمكن أن تكون عدواً لي؟!
لو أننا طرحنا هذه البنادق والأزياء العسكرية جانبًا، لما كنت إلا أخاً لي، لا تختلف في شيء عن أصدقائي.
خذ عشرين سنة من حياتي أيها الرفيق، وعد إلى الحياة.
بل خذ أكثر من هذه المدة.. فلست أدري بعد الآن كيف أنتفع بهذه الحياة!
كتب هذه الرواية الرائعة الكاتب الألماني إيريك ريمارك بعد الحرب العالمية الأولى، ورغم ذلك فإنه لم ينحاز لأي طرف، وإنما انتصر للإنسان ضد الحرب.
رواية مفعمة بالمشاعر، ومؤلمة جدًا جدًا جدًا، وتسبب الاكتئاب.. تمنيت أن تكون النهاية سعيدة، لكن كما يُقال، فلا توجد نهايات سعيدة في الحروب، من ينجو من الموت يعود مصابًا في جسده أو عقله أو روحه.