بقايا اللوغوس
تأليف
علي عبود المحمداوي
(تأليف)
حَاوَلْتُ وَلاَزِلْتُ أُحَاوِلُ فَحْصَ كَيْفيَّةِ اخْتِرَاقِ نَسَقٍ صُلْبٍ وَصَلْدٍ، كَمَا كَانَ يَبْدُو، يَوْماً مَا، وَمَا الّذِي جَعَلَهُ يُمَزِّقُ عَنْ نَفْسِهِ كُلَّ حُجُبِ الغُرُورِ؛ بَعْدَ أنْ شَعَرَ بِأَزْمَتِهِ، أَوْ عَجْزهِ أَمَامَ صُعُودِ كُلِّ مَاحَاوَلَ قَمْعَهُ وَإِقَالَتَهُ؟!
إنَّهَا مُحَاوَلَةُ تَمْحِيْصٍ وكَشْفٍ لِتَحَوُّلاَتِ العَقْلِ الغَرْبِيِّ، الّذِي انْبَجَسَ مِنْ دَاخِلِهِ، وَبَعْدَ كُلِّ امْتِيَازَاتِهِ الّتِي أَحَاطَ بِهَا نَفْسَهُ، مُقِيْلاً بِذَلِكَ كُلَّ مَا لاَيَرْتَقِي لِصَرَامَةِ الوَعْي الّذِي يَمْتَلِكُهُ، والعِلميّةِ الّتِي يَتَبَجَّحُ بِهَا.
هَذِهِ المحَاوَلَةُ هِي جُزْءٌ مِنْ سِلْسِلَةِ دراساتٍ أَسْعَى لإنْجَازِهَا فِي خِضَمِّ مَشْرُوْعِ نَقْدِ المَنْظُوْمَتَيْنِ: الغَرْبِيّةِ وَالشَّرْقيِّةِ- العَرَبِيّةِ. وَالمحَاوَلَةُ الأُوْلَى، هُنَا، جَاءَتْ مُلِمَّةً لبِمَجْمَوْعَةِ دِرَاسَاتٍ فِي الْفَلْسَفَةِ الغَرْبِيِّةِ المعَاصِرةِ وَتَحْتَ عُنْوَانِ: "بَقَايَا اللوْغُوسِ"، وَالثَّانِيَةُ، الّتِي آمُلُ لَهَا أَنْ تُنْجَزَ قَرِيْباً، فِي نَقْدِ الذَّاتِ العَرَبِيَّةِ وَمَا حَاوَلَتْ صُنعَهُ مِنْ عَقْلٍ.
وَ لاَ يَخْفَى عَلَى أَيِّ مُطَّلِعٍ، وَلَوْ بيُسْرٍ، عَلَى تَارِيْخِ الْفِكْرِ الْغَرْبِيِّ "الْفَلْسَفِيِّ" أَنْ يَكْشِفَ بِسُهُوْلَةٍ عِظَمَ التَّحَوُّلِ الْحَاصِلِ فِيْهِ، لَكِنَّنَا قَدْ نَقِفُ أَمَامَ أَسْبَابِهِ وَمَعْرِفَةِ أَدَوَاتِهِ. هَذَا الْكِتَابُ سَيَنْبُشُ أَرْشِيْفَاتِ التَّحَوُّلِ عِبْرَ دِرَاسَةِ نَمَاذِجَ أَسْهَمَتْ فِيْهِ، وَسُجِّلَتْ بِوَصْفِهَا أَدَاةً لِمُنْعَطَفَاتٍ كُبْرَى فِي تَارِيْخِهِ.
وَلَعَلَّ أَمْرَ النَّقْدِ لِلذَّاتِ الَّذِي مَارَسَتْهُ الثَّقَافَةُ الْغَرْبِيَّةُ، عُمُوْماً، لَمْ يَكُنْ إلاّ اسْتِجَابَةً لِتَحَدِّي الضَّيَاعِ الّذِي تَمُرُّ فِيْهِ فِي لَحْظَةٍ تَارِيْخِيَّةٍ منْ سجلها، ذَلِكَ الضَّيَاعُ الّذِي يَخْلُقُ مَنْفَذَاً لِلْخُرُوْجِ مِنْ الدَّائِرةِ.