صرعى التصوف
تأليف
أسماء خوالدية
(تأليف)
شكل الخطاب الصوفي - فكرياً وفنياً وتأويلياً منعطفاً كبيراً في الثقافة العربية، وذلك لما أوجده من إشكالات وإختلافات في الرؤى النقدية والفكرية التي دارت حوله من الناحيتين الدينية والفلسفية. فعُدّ هذا الخطاب مريباً مربكاً وأحياناً كثيرة خروجاً عن السنة والشريعة، وعرفت التجربة الصوفية - على مستوى التحليل والدراسة - مختلف التجارب والمقاربات التي سلكتها المناهج النقدية المنتشرة في الساحة الادبية، وهو ما عزز القناعة لدى الباحث بأنا لدراسة الصوفية تستدعي وجوباً إستثمار هذه المناهج سعياً إلى تحقيق النتائج المرجوّة. وإن دراسة النصوص موصولة - لا محالة - بمختلف السياقات التاريخية المؤثرة في نشأتها، غير أنه يصعب الإقرار المطلق بقدرتها النافذة على إيضاح الأسرار التي تبقي بعض التجارب الصوفية حيّة، جدّتها مستمرة في تحريك السواكن وإستنباط زوايا جديدة في البحث، بخلاف تجارب أخرى أتى عليها النسيان سريعاً. لذا، أصبح من اللازم دراسة التجارب الصوفية في علاقتها بمتقبّليها المتعاقبين زماناً ومكاناً، ما دام المتصوف نتاج منظومة مجتمعية، وما دام الجمهور المتقبل هو الذي يمنح آثاره الحياة. من هنا، تأتي هذه الدراسة التي حاول الباحث من خلالها بيان العلاقة بين المتقبّل والتجربة الصوفية وأكثرها تماثلاً ألا وهي تجربة الحلاج (ت 309) وتجربة عين القضاة الهمذاني (ت 525هـ) وتجربة السهروردي (ت 586هـ)؛ من أجل ذلك كان لا بد من إعادة النظر في دراسة القديم بمنهج جديد بهدف الإسهام وإلى حدٍّ بعيد، في إزالة كثير من الغموض العالق بهذه التجارب، أو على الأقل الإسهام في تأويلها. وقد آثر الباحث إختيار في بحثه هذا نظرية أعلت من شأن القارئ بما هو شرط لازم لإتمام العمل الأدبي واعتمد على تصور فلسفي يعيد الإعتبار للذات في فهم الوجود، وأشارت إلى تحول عام من الإهتمام بالمؤلف والعمل إلى الإهتمام بالقارئ؛ إنها نظرية التقبل، نظرية المانبة المنبت يعدّ ياوس (1927- 1997) وآيز (1926- 207) أبرز روادها. من هنا، يندرج موضوع هذا البحث ضمن مساءلة تخوض في مستويات الفهم إنطلاقاً من الحسّ الإشكالي الموجود بين النصّ الصوفي والمتقبّل حصراً وإعادة بناء السياقات التاريخية والإجتماعية للنص، وإنسجاماً مع منهج التقبل، فقد تم الحرص على أن يقوم هذا البحث على لغة الإحتمال والترجيح بعيداً عن التعميم والأحكام المطلقة، وتحقيقاً لهذه الرؤية جاء البحث إستجابة للنظرية وآلياتها، وذلك وفق خطة انتهجت فيها فرسة تنظيمية مخصوصة توزع المتن فيها على أربعة أبواب تضمنت ستّة عشر فصلاً على النحو الآتي: الأول من الأبواب الثلاثة كان عبارة عن مهاد نظريّ ثم خلاله التعرف على نشأة نظرية التقبل وعن الأسس الفلسفية التي قامت عليها، والكشف عن صلة هذه النظرية بالأصول الفلسفية المتعلقة بجماليات التقبل. أما الباب الثاني فعماده الوقوف على ما في التجارب من لحظات حاسمة وجدها الباحث على تماثل شديد وعلى قدرة تأثيرية هائلة، إذ علقت بالأذهان وكثيراً ما صيغت حولها "الأساطير" والخوارق، لما فيها من إقبال وتحدّ وشغف إذ لحظة الموت على مشقتها ومأساويتها كانت بالنسبة إليهم تحرّراً وإنعتاقاً وسمتاً. أما الباب الثالث فقد انشغل بالتجارب لغة ومفاهيم ومعرفة سبيلاً لإجلاء الإختلافات والتماثلات، فكان أن تم إقصاء مسائل شائكة في آفاقهم الصوفية من مثل النبرة والإتحاد والشيخ والمريد والموت بما هو مطلوب ملذوذ ومطلوب إداته الشريعة حقاً وإستحقاقاً، ولما كانت كل تجربة صوفية، تترقى إجتذاءً ونشيّها بنموذج هو الكمال في نظرها، فقد رام الباحث في الباب الرابع دراسة مفهوم الكمال عند أصحاب التجربة الصوفية الثلاثة: الحلاج، عين القضاة، السهروردي سواء أكان "نوراً محورياً" أو "إشراقاً" أو "ولاية". وإلى ذلك تنبه الباحث إلى ما في الخطاب الصوفي من إستراتيجيات كثيراً ما تتقصد إرباك التأويل وصرف القراء عن أكناهها ومعانيها، ووقع إختياره على الطير رمزاً مشتركاً عندهم، رمز النزوع إلى المحبوب.